الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } * { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَٰهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } * { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } * { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } * { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } * { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً }

{ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } مجمع البحرين { نَسِيَا حُوتَهُمَا } أي نسي أحدهما ـ وهو يوشع ـ لأنه كان صاحب الزاد دليله { فإني نسيت الحوت } وهو كقولهم«نسوا زادهم» وإنما ينساه متعهد الزاد. قيل: كان الحوت سمكة مملوحة فنزلا ليلة على شاطئ عين الحياة ونام موسى. فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده عاشت ووقعت في الماء { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ } أي اتخذ طريقاً له من البر إلى البحر { سَرَباً } نصب على المصدر أي سرب فيه سرباً يعني دخل فيه واستر به { فَلَمَّا جَاوَزَا } مجمع البحرين ثم نزلا وقد سارا ما شاء الله { قَالَ } موسى { لِفَتَـٰهُ ءاتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } تعبا ولم يتعب ولا جاع قبل ذلك { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى ٱلصَّخْرَةِ } هي موضع الموعد { فَإِنّى نَسِيتُ ٱلْحُوتَ } ثم اعتذر فقال: { وَمَا أَنْسَانِيهُ } وبضم الهاء: حفص { إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ } بإلقاء الخواطر في القلب { أَنْ أَذْكُرَهُ } بدل من الهاء في { أنسانيه } أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ عَجَبًا } وهو أن أثره بقي إلى حيث سار { قَالَ ذٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } نطلب. وبالياء: مكي، وافقه أبو عمرو وعلي ومدني في الوصل، وبغير ياء فيهما: غيرهما اتباعاً لخط المصحف و { ذلك } إشارة إلى اتخاذه سبيلاً أي ذلك الذي كنا نطلب لأن ذهاب الحوت كان علماً على لقاء الخضر عليه السلام { فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ ءاثَارِهِمَا } فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه { قَصَصًا } يقصان قصصاً أي يتبعان آثارهما اتباعاً. قال الزجاج: القصص اتباع الأثر { فَوَجَدَا عَبْدًا مّنْ عِبَادِنَا } أي الخضر راقداً تحت ثوب أو جالساً في البحر { ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا } هي الوحي والنبوة أو العلم أو طول الحياة { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا } يعني الإخبار بالغيوب. وقيل: العلم اللدني ما حصل للعبد بطريق الإلهام.

{ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلّمَنِ مِمَّا عُلّمْتَ رُشْداً } أي علماً ذا رشد أرشد به في ديني { رشَدا } أبو عمرو وهما لغتان كالبخل والبخل، وفيه دليل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وأن كان قد بلغ نهايته وإن يتواضع لمن هو أعلم منه.