الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ نِعْمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } * { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَـئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } كلام مستأنف بيان للأجر المبهم، ولك أن تجعل { إنَّا لا نضيع } و { أولئك } خبرين معاً. والمراد من أحسن منهم عملاً كقولك «السمن منوان بدرهم»، أو لأن { من أحسن عملاً } و { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ينتظمهما معنى واحد فأقام من «أحسن» مقام الضمير { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ } «من» للإبتداء، وتنكير أساور ـ وهي جمع أسورة التي هي جمع سوار ـ لإبهام أمرها في الحسن { مّن ذَهَبٍ } «من» للتبيين { وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سُنْدُسٍ } ما رَقَّ من الديباج { وَإِسْتَبْرَقٍ } ما غلظ منه أي يجمعون بين النوعين { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } خص الاتكاء لأنه هيئة المتنعمين والملوك على أسرتهم { نِعْمَ ٱلثَّوَابُ } الجنة { وَحَسُنَتْ } الجنة والأرائك { مُرْتَفَقًا } متكأ.

{ وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } ومثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين وكانا أخوين في بني إسرائيل، أحدهما كافر اسمه قطروس، والآخر مؤمن اسمه يهوذا. وقيل: هما المذكوران في«والصافات» في قوله:قال قائل منهم إني كان لي قرين } [الصافات: 51] ورثاً من أبيهما ثمانية آلاف دينار فجعلاها شطرين، فاشترى الكافر أرضاً بألف دينار فقال المؤمن: اللهم إن أخي اشترى أرضاً بألف دينار وأنا أشتري منك أرضاً في الجنة بألف فتصدق به، ثم بنى أخوه داراً بألف فقال: اللهم إني أشتري منك داراً في الجنة بألف فتصدق به، ثم تزوج أخوه امرأة بألف فقال: اللهم إني جعلت ألفاً صداقاً للحور، ثم اشترى أخوه خدماً ومتاعاً بألف دينار فقال: اللهم إني اشتريت منك الولدان المخلدين بألف فتصدق، به ثم أصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقه فمر به في حشمه فتعرض له فطرده ووبخه على التصدق بماله { جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَـٰبٍ } بساتين من كروم { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } وجعلنا النخل محيطاً بالجنتين وهذا مما يؤثره الدهاقين في كرومهم أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة. يقال حفوه إذا أطافوا به، وحففته بهم أي جعلتهم حافين حوله وهو متعد إلى مفعول واحد فتزيد الباء مفعولاً ثانياً { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } جعلناها أرضاً جامعة للأقوات والفواكه، ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق