الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } * { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً }

{ هَـؤُلاء } مبتدأ { قَوْمُنَا } عطف بيان { ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً } خبر وهو إخبار في معنى الإنكار { لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم } هلا يأتون على عبادتهم فحذف المضاف { بِسُلْطَـٰنٍ بَيّنٍ } بحجة ظاهرة وهو تبكيت لأن الإتيان بالسلطان على عبادة الأوثان محال { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } بنسبة الشريك إليه.

{ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ } خطاب من بعضهم لبعض حين صممت عزيمتهم على الفرار بدينهم { وَمَا يَعْبُدُونَ } نصب عطف على الضمير أي وإذ اعتزلتموهم وإذ اعتزلتم معبوديهم { إِلاَّ ٱللَّهُ } استثناء متصل لأنهم كانوا يقرون بالخالق ويشركون معه غيره كأهل مكة، أو منقطع أي وإذ اعتزلتم الكفار والأصنام التي يعبدونها من دون الله، أو هو كلام معترض إخبار من الله تعالى عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله { فَأْوُواْ إِلَى ٱلْكَهْفِ } صيروا إليه أو اجعلوا الكهف مأواكم { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ } من رزقه { وَيُهَيّىء لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا } { مَرفقاً } مدني وشامي وهو ما يرتفق به أي ينتفع. وإنما قالوا ذلك ثقة بفضل الله وقوة في رجائهم لتوكلهم عليه ونصوع يقينهم، أو أخبرهم به نبي في عصرهم { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ } بتخفيت الزاي: كوفي، { تزَّور } شامي، { تزَّاور } غيرهم وأصله تتزاور فخفف بإدغام التاء في الزاي أو حذفها والكل من الزور وهو الميل، ومنه زاره إذا مال إليه، والزور الميل عن الصدق { عَن كَهْفِهِمْ } أي تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم { ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } جهة اليمين وحقيقتها الجهة المسماة باليمين { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ } تقطعهم أي تتركهم وتعدل عنهم { ذَاتَ ٱلشّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ } في متسع من الكهف. والمعنى أنهم في ظل نهارهم كله لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها مع أنهم في مكان واسع منفتح معرض لإصابة الشمس لولا أن الله يحجبها عنهم. وقيل: منفسح من غارهم ينالهم فيه روح الهواء وبرد النسيم ولا يحسون كرب الغار { ذٰلِكَ مِنْ آيَـٰتِ ٱللَّهِ } أي ما صنعه الله بهم من إزورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة آية من آيات الله يعني أن ما كان في ذلك السمت تصيبه الشمس ولا تصيبهم اختصاصاً لهم بالكرامة. وقيل: باب الكهف شمالي مستقبل لبنات نعش فهم في مقنأة أبداً، ومعنى ذلك من آيات الله أن شأنهم وحديثهم من آيات الله { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } مثل ما مر في «سبحان» وهو ثناء عليهم بأنهم جاهدوا في الله وأسلموا له وجوههم فأرشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية { وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُّرْشِدًا } أي من أضله فلا هادي له.