الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ وَلاَ تَكُونُواْ } في نقض الأيمان { كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ } كالمرأة التي أنحت على غزلها بعد أن أحكمته وأبرمته فجعلته { أَنكَـٰثًا } جمع نكث وهو ما ينكث فتله. قيل: هي ريطة وكانت حمقاء تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن { تَتَّخِذُونَ أَيْمَـٰنَكُمْ } حال كـ { أنكاثا } ً { دَخَلاً } أحد مفعولي { تتخذ } أي ولا تنقضوا أيمانكم متخذيها دخلاً { بَيْنِكُمْ } أي مفسدة وخيانة { أَن تَكُونَ أُمَّةٌ } بسبب أن تكون أمة يعني جماعة قريش { هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } هي أزيد عدداً وأوفر مالاً من أمة من جماعة المؤمنين. { هي أربى } مبتدأ وخبر، في موضع الرفع صفة لـ { أمة } و { أمة } فاعل { تكون } وهي تامة و { هي } ليست بفصل لوقوعها بين نكرتين { إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ } الضمير للمصدر أي إنما يختبركم بكونهم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وما وكدتم من أيمان البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم وقلة المؤمنين وفقرهم { وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } إِذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب، وفيه تحذير عن مخالفة ملة الإسلام { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً } حنيفة مسلمة { وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ } من علم منه اختيار الضلالة { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } من علم منه اختيار الهداية { وَلَتُسُئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يوم القيامة فتجزون به. { وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ } كرر النهي عن اتخاذ الإيمان دخلاً بينهم تأكيداً عليهم وإظهاراً لعظمه { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها. وإنما وحدت القدم ونكرت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن تثبت عليه فكيف بأقدام كثيرة { وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوءَ } في الدنيا { بِمَا صَدَدتُّمْ } بصدودكم { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ }

وخروجكم عن الدين، أو بصدكم غيركم لأنهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها { وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } في الآخرة