الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ }

{ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } وبالتاء في الموضعين: حمزة وعلي. وخلق الإنسان وما يكون منه وهو قوله { خَلَقَ ٱلإِنْسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } أي فإذا هو منطيق مجادل عن نفسه مكافح لخصومه مبين لحجته بعدما كان نطفة لا حس به ولا حركة، أو فإذا هو خصيم لربه منكر على خالقه قائل من يحيى العظام وهي رميم. وهو وصف للإنسان بالوقاحة والتمادي في كفران النعمة وخلق ما لا بد منه من خلق البهائم لأكله وركوبه وحمل أثقاله وسائر حاجاته وهو قوله { وَٱلأَنْعَـٰمَ خَلَقَهَا لَكُمْ } وهي الأزواج الثمانية وأكثر ما يقع على الإبل، وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر كقولهوٱلْقَمَرُ قَدَّرْنَـٰهُ مَنَازِلَ } [يٱس: 39] أو بالعطف على الإنسان أي خلق الإنسان والأنعام ثم قال خلقها لكم أي ما خلقها إلا لكم يا جنس الإنسان { فِيهَا دِفْءٌ } هو اسم ما يدفأ به من لباس معمول من صوف أو وبر أو شعر { وَمَنَـٰفِعُ } وهي نسلها ودرها { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } قدم الظرف وهو يؤذن بالاحتصاص، وقد يؤكل من غيرها لأن الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم وأما الأكل من غيرها كالدجاج والبط وصيد البر والبحر فكغير المعتد به وكالجاري مجرى التفكه { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ } تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي { وَحِينَ تَسْرَحُونَ } ترسلونها بالغداة إلى مسارحها. منّ الله تعالى بالتجمل بها كما منّ بالاتنفاع بها لأَنه من أغراض أصحاب المواشي لأَن الرعيان إذا روحوها بالعشي وسرحوها بالغداة تزينت بإراحتها وتسريحها الأَفنية، وفرحت أربابها وكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس. وإنما قدمت الإراحة على التسريح لأَن الجمال في الإِراحة أظهر إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع