الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } * { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ }

{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا } انتصبا على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع أو على ذا خوف وذا طمع أو من المخاطبين أي خائفين وطامعين والمعنى يخاف من وقوع الصواعق عند لمع البرق ويطمع في الغيث قال أبوالطيب
فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجي   يرجّى الحيا ومنه وتخشى الصواعق
أو يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر ومن له بيت يكف ومن البلاد ما لا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر ويطمع فيه من له نفع فيه { وَيُنْشِيءُ ٱلسَّحَابَ } هو اسم جنس والواحدة سحابة { ٱلثِّقَالَ } بالماء وهو جميع ثقيلة، تقول سحابة ثقيلة وسحاب ثقال { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } قيل يسبح سامعو الرعد من العباد الراجين للمطر أي يصيحون بسبحان الله والحمد لله وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « " الرعد ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب» " والصوت الذي يسمع زجره السحاب حتى ينتهي إلى حيث أمر { وَٱلْمَلْـٰئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ } ويسبح الملائكة من هيبته وإجلاله { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء } الصاعقة: نار تسقط من السماء لما ذكر علمه النافذ في كل شيء واستواء الظاهر والخفي عنده وما دل على قدرته الباهرة ووحدانيته قال: { وَهُمْ يُجَـٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ } يعني الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلون في الله حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث وإعادة الخلائق بقولهم:مِنْ يَحْيَيٰ ٱلْعِظَـٰمَ وَهِىَ رَمِيمٌ } [يس:78] ويردون الوحدانية باتخاذ الشركاء ويجعلونه بعض الأجسام بقولهم الملائكة بنات الله. أو الواو للحال أي فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم وذلك أن أربد أخا لبيد بن ربيعة العامري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه مع عامر بن الطفيل قاصدين لقتله فرمى الله عامراً بغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية وأرسل على أربد صاعقة فقتله أخبرني عن ربنا أمن نحاس هو أم من حديد

{ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ } أي المماحلة وهي شدة المماكرة والمكايدة ومنه تمحل لكذا إذا تكلف لاستعماله الحيلة واجتهد فيه، ومحل بفلان إذا كاده وسعى به إلى السلطان والمعنى أنه شديد المكر والكيد لأعدائه يأتيهم بالهلكة من يحث لا يحتسبون.