الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } * { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ يبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ } فتعرفوا منهما وتطلبوا خبرهما وهو تفعل من الإحساس وهو المعرفة { وَلاَ تَايْـئَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } ولا تقنطوا من رحمة الله وفرجه { إِنَّهُ } إن الأمر والشأن { لاَ يَايْـئَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } لأن من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته، وأما الكافر فلا يعرف رحمة الله ولا تقلبه في نعمته فييأس من رحمته، فخرجوا من عند أبيهم راجعين إلى مصر { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ } على يوسف { قَالُواْ يا أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } الهزال من الشدة والجوع { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقاراً لها من أزجيته إذا دفعته وطردته. قيل: كان دراهم زيوفاً لا تؤخذ إلا بوضيعة. وقيل: كانت صوفاً وسمناً { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } الذي هو حقنا { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا } وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة أوزدنا على حقنا أوهب لنا أخانا { إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِى ٱلْمُتَصَدّقِينَ } ولما قالوا مسنا وأهلنا الضر وتضرعوا إليه وطلبوا منه أن يتصدق عليهم ارفضت عيناه ولم يتمالك أن عرفهم نفسه حيث قال: { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ } أي هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف { وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَـٰهِلُونَ } لا تعلمون قبحه أو إذ أنتم في حد السفه والطيش وفعلهم بأخيه تعريضهم إياه للغم بإفراده عن أخيه لأبيه وأمه وإيذاؤهم له بأنواع الأذى { قَالُواْ أَءنَّكَ } بهمزتين: كوفي وشامي { لأَنتَ يُوسُفُ } اللام لام الابتداء و { أنت } مبتدأ و { يوسف } خبره، والجملة خبر «إن» { قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِى } وإنما ذكر أخاه وهم قد سألوه عن نفسه لأنه كان في ذكر أخيه بيان لما سألوه عنه { قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } بالألفة بعد الفرقة وذكر نعمة الله بالسلامة والكرامة ولم يبدأ بالملامة { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ } الفحشاء { وَيِصْبِرْ } عن المعاصي وعلى الطاعة { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي أجرهم فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين. وقيل: من يتق مولاه ويصبر على بلواه لا يضيع أجره في دنياه وعقباه.