الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ } أي أجاب الله دعاءه { فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لدعوات الملتجئين إليه { ٱلْعَلِيمُ } بحاله وحالهن { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ } فاعله مضمر لدلالة ما يفسر عليه وهو { ليسجننه } والمعنى بدا لهم بداء أي ظهر لهم رأي، والضمير في { لهم } للعزيز وأهله { مِنْ بَعْدَمَا رَأَوُاْ ٱلآيَـٰتِ } وهي الشواهد على براءته كقد القميص وقطع الأيدي وشهادة الصبي وغير ذلك { لَيَسْجُنُنَّهُ } لإبداء عذر الحال وإرخاء الستر على القيل والقال، وما كان ذلك إلا باستنزال المرأة لزوجها وكان مطواعاً لها وحميلاً ذلولاً، زمامه في يديها وقد طمعت أن يذللـه السجن ويسخره لها، أو خافت عليه العيون وظنت فيه الظنون فألجأها الخجل من الناس، والوجل من اليأس، إلى أن رضيت بالحجاب، مكان خوف الذهاب، لتشتفي بخبره، إذا منعت من نظره { حَتَّىٰ حِينٍ } إلى زمان كأنها اقترحت أن يسجن زماناً حتى تبصر ما يكون منه.

{ وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسّجْنَ فَتَيَانَ } عبدان للملك خبازه وشرابيه بتهمة السم، فأدخلا السجن ساعة أدخل يوسف لأن «مع» يدل على معنى الصحبة تقول: خرجت مع الأمير تريد مصاحباً له فيجب أن يكون دخولهما السجن مصاحبين له { قَالَ أَحَدُهُمَا } أي شرابيه { إِنّى أَرَانِى } أي في المنام وهي حكاية حال ماضية { أَعْصِرُ خَمْرًا } أي عنباً تسمية للعنب بما يؤول إليه أو الخمر بلغة عمان اسم للعنب { وَقَالَ ٱلآخَرُ } أي خبازه { إِنّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } بتأويل ما رأيناه { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } من الذين يحسنون عبارة الرؤيا أو من المحسنين إلى أهل السجن فإنك تداوي المريض وتعزي الحزين وتوسع على الفقير، فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا. وقيل: إنهما تحالما له ليمتحناه فقال الشرابي: إني رأيت كأني في بستان فإذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فقطفتها وعصرتها في كأس الملك وسقيته، وقال الخباز: إني رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها أنواع الأطعمة، فإذا سباع الطير تنهش منها.