الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } * { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }

{ قَالَ هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى } لولا ذلك لكتم عليها ولم يفضحها { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا } هو ابن عم لها، وإنما ألقى الله الشهادة على لسان من هو من أهلها لتكون أوجب للحجة عليها وأوثق لبراءة يوسف. وقيل: كان ابن خال لها وكان صبياً في المهد. وسمي قوله شهادة لأنه أدى مؤدى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَـٰذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّـٰدِقِينَ } والتقدير: وشهد شاهد فقال: إن كان قميصه: وإنما دل قدّ قميص من قبل على أنها صادقة لأنه يسرع خلفها ليلحقها فيعثر في مقادم قميصه فيشقه، ولأنه يقبل عليها وهي تدفعه عن نفسه فيتخرق قميصه من قبل. وأما تنكير { قبل } و { دبر } فمعناه من جهة يقال لها قبل ومن جهة يقال لها دبر، وإنما جمع بين «إن» التي للاستقبال وبين «كان» لأن المعنى أن يعلم أنه كان قميصه قد.

{ فَلَماَّ رَأَى } قطفير { قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } وعلم براءة يوسف وصدقه وكذبها

{ قَالَ إِنَّهُ } إن قولك { ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً } أو إن هذا الأمر وهو الاحتيال لنيل الرجال { مِن كَيْدِكُنَّ } الخطاب لها ولأمتها { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } لأنهن ألطف كيداً وأعظم حيلة وبذلك يغلبن الرجال، والقصريات منهن معهن ما ليس مع غيرهن من البوائق. وعن بعض العلماء: إني أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان، لأن الله تعالى قال:إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ضَعِيفاً } [النساء: 76] وقال لهن { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } { يُوسُفَ } حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث، وفيه تقريب له وتلطيف لمحله { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } الأمر واكتمه ولا تتحدث به. ثم قال لراعيل { وَٱسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَـٰطِئِينَ } من جملة القوم المتعمدين للذنب. يقال: خطىء إذا أذنب متعمداً، وإنما قال بلفظ التذكير تغليباً للذكر على الإناث، وكان العزيز رجلاً حليماً قليل الغيرة حيث اقتصر على هذا القول.

{ وَقَالَ نِسْوَةٌ } جماعة من النساء وكن خمساً: امرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب. والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثها غير حقيقي ولذا لم يقل قالت وفيه لغتان كسر النون وضمها { فِى ٱلْمَدِينَةِ } في مصر { امرأت العزيز } يردن قطفير، والعزيز الملك بلسان العرب { تُرَاوِدُ فَتَـٰهَا } غلامها يقال فتاي وفتاتي أي غلامي وجاريتي { عَن نَّفْسِهِ } لتنال شهوتها منه { قَدْ شَغَفَهَا حُبّا } تمييز أي قد شغفها حبه يعني خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد، والشغاف حجاب القلب أو جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب { إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } في خطأ وبعد عن طريق الصواب { فَلَمَّا سَمِعَتْ } راعيل { بِمَكْرِهِنَّ } باغتيابهن وقولهن امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني ومقتها.

السابقالتالي
2