الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } * { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

{ قَالَ إِنّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُواْ بِهِ } أي يحزنني ذهابكم به واللام لام الابتداء { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَـٰفِلُونَ } اعتذر إليهم بأن ذهابهم به مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة وأنه يخاف عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذّئْبُ } اللام موطئة للقسم والقسم محذوف تقديره والله لئن أكله الذئب. والواو في { وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } أي فرقة مجتمعة مقتدرة على الدفع للحال { إِنَّا إِذَا لَّخَـٰسِرُونَ } جواب للقسم مجزىء عن جزاء الشرط أي إن لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشينا إذا وخسرناها، وأجابوا عن عذره الثاني دون الأول لأن ذلك كان يغيظهم.

{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَابَةِ ٱلْجُبّ } أي عزموا على إلقائه في البئر وهي بئر على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليه السلام، وجواب «لما» محذوف تقديره فعلوا به ما فعلوا من الأذى، فقد روي أنهم لما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة وضربوه وكادوا يقتلونه فمنعهم يهوذا، أرداوا إلقاءه في الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من يده فتعلق بحائط البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم فيحتالوا به على أبيهم ودلوه في البئر، وكان فيها ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فقام عليها وهو يبكي وكان يهوذا يأتيه بالطعام. ويروى أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه فدفعه إبراهيم إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب فجعله يعقوب في تميمة علقها في عنق يوسف فأخرجه جبريل وألبسه إياه { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ } قيل: أوحي إليه في الصغر كما أوحي إلى يحيى وعيسى عليهما السلام. وقيل: كان إذ ذاك مدركاً { لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا } أي لتحدثن إخوتك بما فعلوا بك { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أنك يوسف لعلو شأنك وكبرياء سلطانك، وذلك أنهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون، دعا بالصواع فوضعه على يديه ثم نقره فطن فقال: إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف وأنكم ألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيه أكله الذئب وبعتموه بثمن بخس، أو يتعلق { وهم لا يشعرون } بـ { أوحينا } أي آنسناه بالوحي وأزلنا عن قلبه الوحشة ولا يشعرون بذلك. }