الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }

{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِى ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } هو أول نهيق الحمار { وَشَهِيقٌ } هو آخره، أو هما إخراج النفس ورده، والجملة في موضع الحال والعامل فيها الاستقرار الذي في النار { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حال مقدرة { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلأَرْضُ } في موضع النصب أي مدة دوام السماوات والأرض، والمراد سماوات الآخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة للأبد. والدليل على أن لها سماوات وأرضاً قولهيَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَـٰوٰتُ } [إبراهيم: 48] وقيل: ما دام فوق وتحت ولأنه لا بد لأهله الآخرة مما يقلهم ويظلهم إما سماء أو عرش وكل ما أظلك فهو سماء، أو هو عبارة عن التأبيد ونفي الانقطاع كقول العرب: ما لاح كوكب، وغير ذلك من كلمات التأبيد { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } هو استثناء من الخلود في عذاب النار، وذلك لأن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده بل يعذبون بالزمهرير وأنواع من العذاب سوى عذاب النار، أو بـ { ما شاء } بمعنى من شاء وهم قوم يخرجون من النار ويدخلون الجنة فيقال لهم الجهنميون وهم المستثنون من أهل الجنة أيضاً لمفارقتهم إياها بكونهم في النار أياماً، فهؤلاء لم يشقوا شقاوة من يدخل النار على التأبيد، ولا سعدوا سعادة من لا تمسه النار، وهو مروي عن ابن عباس والضحاك وقتادة رضي الله عنهم { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ } بالشقي والسعيد { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ } { سُعدوا } حمزة وعلي وحفص. سَعد لازم وسعَده يسعَده متعد { فَفِى ٱلْجَنَّةِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } هو استثناء من الخلود في نعيم الجنة وذلك أن لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها وهو رؤية الله تعالى ورضوانه، أو معناه إلا من شاء أن يعذبه بقدر ذنبه قبل أن يدخله الجنة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الاستثناء في الآيتين لأهل الجنة " ومعناه ما ذكرنا أنه لا يكون للمسلم العاصي الذي دخل النار خلود في النار حيث يخرج منها، ولا يكون له أيضاً خلود في الجنة لأنه لم يدخل الجنة ابتداء، والمعتزلة لما لم يروا خروج العصاة من النار ردوا الأحاديث المروية في هذا البابوكفى به إثماً مبيناً } [النساء: 50] { عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ } غير مقطوع ولكنه ممتد إلى غير نهاية كقوله:لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [الإنشقاق: 25] وهو نصب على المصدر أي أعطوا عطاء. قيل: كفرت الجهمية بأربع آيات { عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ }.أُكُلُهَا دَائِمٌ } [الرعد: 35]وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } [النحل: 96]لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [الواقعة: 33] لما قص الله قصص عبدة الأوثان وذكر ما أحل بهم من نقمه وما أعد لهم من عذابه قال: