الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

{ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُم يَبْغُونَ فِى ٱلأَرْضِ } يفسدون فيها { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } باطلاً أي مبطلين { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } أي ظلمكم يرجع إليكم كقولهمَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا } [فصلت: 46] { مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } حفص أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا { وعلى أنفسكم } خبر لـ { بغيكم }. غيره بالرفع على أنه خبر { بغيكم } و { على أنفسكم } صلته كقولهفبغى عليهم } )القصص:76) ومعناه إنما بغيكم على أمثالكم، أو هو خبر و { متاع } خبر بعد خبر أو { متاع } خبر مبتدأ مضمر أي هو متاع الحياة الدنيا، وفي الحديث " أسرع الخير ثواباً صلة الرحم، وأعجل الشر عقاباً البغي واليمين الفاجرة " ورُوي " ثنتان يعجلهما الله في الدنيا البغي وعقوق الوالدين " وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لو بغى جبل على جبل لدك الباغي وعن محمد بن كعب: ثلاث من كن فيه كن عليه: البغي والنكث والمكر. قال الله تعالى:إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ وَمِنْ نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } [الفتح:10] { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فنخبركم به ونجازيكم عليه

{ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاء } من السحاب { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } بالماء { نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } أي فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضاً { مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ } يعني الحبوبِ والثمار والبقول { وَٱلأَنْعَـٰمُ } يعني الحشيش { حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا } زينتها بالنبات واختلاف ألوانه { وَٱزَّيَّنَتْ } وتزينت به وهو أصله وأدغمت التاء في الزاي وهو كلام فصيح، جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتستها وتزينت بغيرها من ألوان الزين { وَظَنَّ أَهْلُهَا } أهل الأرض { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا } متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها رافعون لغلتها { أَتَاهَا أَمْرُنَا } عذابنا وهو ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم { لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا } فجعلناها زرعاً { حَصِيداً } شبيهاً بما يحصد من الزرع في قطعه واستئصاله { كَأَن لَّمْ تَغْنَ } كأن لم يغن زرعها أي لم يلبث، حذف المضاف في هذه المواضع لا بد منه ليستقيم المعنى { بِٱلأَمْسِ } هو مقل في الوقت القريب كأنه قيل { كأن لم تغن } آنفاً { كَذٰلِكَ نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فينتفعون بضرب الأمثال، وهذا من التشبيه المركب شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الإقبال، بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاماً بعدما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه. وحكمة التشبيه، التنبيه على أن الحياة صفوها شبيبتها وكدرها شيبتها كما أن صفو الماء في أعلى الإناء قال

السابقالتالي
2