الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

-قوله عزّ وجلّ { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ } قد ذكرنا خلاف المفسرين والفقهاء في لغو اليمين { وَلكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُمُ الأَيْمَانَ } اختلف في سبب نزولها قولين:

أحدهما: أنها نزلت في عثمان بن مظعون حين حرّم على نفسه الطعام والنساء بيمين حلفها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالحنث فيها قاله السدي، والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن رواحة وكان عنده ضيف فأخرت زوجته قِراه فحلف لا يأكل من الطعام شيئاً، وحلفت الزوجة لا تأكل منه إن لم يأكل، وحلف الضيف لا يأكل منه إن لم يأكلا، فأكل عبد الله وأكلا معه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: أحسنت ونزلت فيه هذه الآية قاله ابن زيد.

قوله { وَلكِن يؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيْمَانَ } وعقدها هو لفظ باللسان وقصد بالقلب لأن ما لم يقصده من أيمانه فهو لغو لا يؤاخذه به ثم في عقدها قولان: أحدهما: أن تكون على فعل مستقبل ولا تكون على خبر ماض، والفعل المستقبل نوعان: نفي وإثبات، فالنفي أن يقول: " والله لا فعلت كذا " والإثبات أن يقول " والله لأفعلن " أما الخبر الماضي فهو أن يقول: " والله ما فعلت " وقد فعل ويقول: " والله لقد فعلت كذا " وما فعل فينعقد يمينه بالفعل المستقبل في نوعي إثباته ونفيه. وفي انعقادها بالخبر الماضي قولان أحدهما: أنها لا تنعقد بالخبر الماضي قاله أبو حنيفة وأهل العراق، والقول الثاني: أنها تنعقد على فعل مستقبل وخبر ماضٍ يتعلق الحنث بهما قاله الشافعي وأهل الحجاز.

ثم قال { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } فيه قولان: أحدهما: أنها كفارة ما عقدوه من الأيمان قالته عائشة والحسن والشعبي وقتادة، والثاني: أنها كفارة الحنث فيما عقدوه منها وهذا أشبه أن يكون قول ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم. والأصح من إطلاق هذين القولين أن يعتبر حال اليمين في عقدها وحَلها فإنها لا تخلوا من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون عقدها طاعة وحَلها معصية كقوله: " والله لا قتلت نفساً ولا شربت خمراً " فإذا حنث بقتل النفس وشرب الخمر كانت الكفارة لتكفير مأثم الحنث دون عقد اليمين، الحال الثاني: أن يكون عقدها معصية وحلها طاعة كقوله " والله لا صليت ولا صمت " فإذا حنث بالصلاة والصوم كانت الكفارة لتكفير مأثم العقد دون الحنث والحال الثالث: أن يكون عقدها مباحاً وحلها مباحاً كقوله: " والله لا لبست هذا الثوب " فالكفارة تتعلق بهما وهي بالحنث أخص.

ثم قال { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أهْلِيكُمْ } فيه قولان، أحدهما: من أوسط أجناس الطعام قاله ابن عمر و الحسن وابن سيرين والأسود وعبيدة السلماني، والثاني: من أوسطه في القدر قاله علي وعمر وابن عباس ومجاهد وقرأ سعيد بن جبير من وسط ما تطعمون أهليكم ثم اختلفوا في القدر على خمسة أقاويل: أحدها: أنه نصف صاع من سائر الأجناس قاله " علي وعمر وهو مذهب أبي حنيفة، والثاني: مد واحد من سائر الأجناس قاله " ابن عمر وزيد بن ثابت وعطاء وقتادة وهو مذهب الشافعي، والثالث: أنه غداء وعشاء قاله علي في رواية الحارث عنه وقول محمد بن كعب القرظي والحسن البصري، والرابع: أنه على ما جرت به عادة المكفر في عياله إن كان يشبعهم أشبع المساكين وإن كان لا يشبعهم فعلى قدر ذلك قاله ابن عباس وسعيد ابن جبير، والخامس: أنه أحد الأمرين من غداء وعشاء قاله بعض البصريين.

السابقالتالي
2