{ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ } نزلت، لأن كاتب سليمان " آصف بن برخيا " واطأ نفراً من الجن على أن دفنوا كتاب سحر تحت كرسي سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ ثم أخرجوه بعد موت سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقالوا: هذا سحر سليمان، فبرأه الله ـ تعالى ـ من ذلك، أو استرقت الشياطين السمع، واستخرجت السحر، فاطلع عليه سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ فنزعه منهم ودفنه تحت كرسيه، فلم يقدر الشياطين أن يدنوا إلى الكرسي في حياته، فلما مات قالت: للإنس: إن العلم الذي سخر به سليمان الريح والجن تحت كرسيه فأخرجوه، وقالوا: كان ساحراً، ولم يكن نبياً، فتعلموه وعلموه، فبرأه الله ـ تعالى ـ من ذلك. { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ } بنسبتهم سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى السحر " أو بما استخرجوه من السحر " { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } بإلقائه في قلوبهم " أو بدلالتهم عليه حتى أخرجوه ". { وَمَآ أُنزِلَ } " ما " بمعنى الذي، أو نافيه. { الْمَلَكَيْنِ } بالكسر علجان من علوج بابل، والقراءة المشهورة بالفتح، زعمت سحرة اليهود أن جبريل وميكائيل أُنزل السحر على لسانهما إلى سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ فأكذبهم الله، والتقدير: وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس { بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } وهما رجلان ببابل، أو هاروت وماروت ملكان أُهبطا إلى الأرض في زمن إدريس ـ عليه الصلاة والسلام ـ فلما عصيا لم يقدرا على الرقي إلى السماء فكانا يعلمان السحر. { السِّحْرَ } خدع ومعانٍ تحول الإنسان حماراً وتُقلَب بها الأعيان وتنشأ بها الأجسام، أو هو تخييل ولا يقدر الساحر على قلب الأعيان ولا إنشاء الأجسام، قال الله تعالى{ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } [طه: 66]، ولما سحر الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يكن فعله قال الشافعي ـ رضي الله تعالى عنه ـ " الساحر يوسوس ويمرض ويقتل " ، إذ التخيل بدو الوسوسة، والوسوسة بدو المرض، والمرض بدو التلف. { بِبَابِلَ } الكوفة وسوادها، سميت بذلك لتبلبل الألسن بها، أو من نصيبين إلى رأس عين، أو جبل نهاوند. { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ } على هاروت وماروت أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر بما تتعلمه من السحر. { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا } من هاروت وماروت، أو من السحر والكفر أو من الشياطين والملكين ـ السحر من الشياطين، وما يفرق بين الزوجين من الملكين. { بِإِذْنِ } ما يضرون بالسحر أحداً { إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ } بأمره، أو بعلمه. { مَا يَضُرُّهُمْ } في الآخرة { وَلا يَنفَعُهُمْ } في الدنيا، { مِنْ خَلاقٍ } لا نصيب لمن اشترى السحر، أو لا جهة له، أو الخلاق: الدين. { شَرَوْاْ } باعوا { بِهِ أَنفُسَهُمْ } من السحر والكفر بفعله وتعليمه، أو من إضافتهم السحر إلى سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ.