الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } * { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } * { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } * { سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

قوله تعالى: { إنا أنزلناه } يعني: القرآن { في ليلة القدر } وذلك أنه أنزل جملةً في تلك الليلة إلى بيت العِزَّة، وهو بيت في السماء الدنيا. وقد ذكرنا هذا الحديث في أول كتابنا. والهاء في «إنا أنزلناه» كناية عن غير مذكور. وقال الزجاج: قد جرى ذكره في قوله تعالىإنا أنزلناه في ليلة مباركة } [الدخان:3].

فأما { ليلة القدر } ففي تسميتها بذلك خمسة أقوال.

أحدها: أن القَدْرَ: العظمةُ، من قولك: لفلان قَدْر، قاله الزهري.

ويشهد له قوله تعالى:وما قَدَرُوا الله حق قَدْرِه } [الأنعام:91] و [الزمر: 67].

والثاني: أنه من الضيق، أي: هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون، قاله الخليل بن أحمد، ويشهد له قوله تعالى:وَمَنْ قُدِرَ عليه رِزْقُه } [الطلاق:7].

والثالث: أن القَدْرَ: الحُكم كأن الأشياء تقَدَّرُ فيها، قاله ابن قتيبة.

والرابع: لأن من لم يكن له قَدْر صار بمراعاتها ذَا قَدْر، قاله أبو بكر الورَّاق.

والخامس: لأنه نزل فيها كتاب ذُو قَدر، وتنزل فيها رحمة ذات قَدْر، وملائكةٌ ذوُو قَدْر، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله.

فصل

واختلف العلماء هل ليلة القدر باقية، أم كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة؟ والصحيح بقاؤها.

وهل هي في جميع السنة، أم في رمضان؟

فيه قولان.

أحدهما: في رمضان، قاله الجمهور.

والثاني: في جميع السنة، قاله ابن مسعود.

واختلف القائلون بأنها في شهر رمضان هل تختص ببعضه دون بعض؟ على قولين:

أحدهما: أنها في العشر الأواخر، قاله الجمهور، وأكثر الأحاديث الصحيحة تدل عليه.

وقد روى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعةٍ تبقى، أو سابعة تبقى، أو في خامسة تبقى " وفي حديث أبي بَكْرَة قال: ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم،إلاَ في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول: " التمسوها في تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث يبقين، أو آخر ليلة ". والقول الثاني: أنها في جميع رمضان، قاله الحسن البصري.

واختلف القائلون بأنها في العشر الأواخر هل تختص ليالي الوتر دون الشفع؟ على قولين.

أحدهما: أنها تختص الأفراد، قاله الجمهور. والأحاديث الصحاح كلها تدل عليه. وقد أخرج البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ابتغوها في العشر الأواخر في الوتر منها ". والثاني: أنها تكون في الشفع كما تكون في الوتر، قاله الحسن. وروي عن الحسن ومالك بن أنس قالا: هي ليلة ثماني عشرة.

السابقالتالي
2 3 4