الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ } * { أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } * { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } * { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ } * { عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } * { أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } * { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } * { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } * { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } * { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } * { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب }

قوله تعالى: { كلا } أي: حقاً. وقال مقاتل: { كَلاَّ } لا يعلم أن الله علمه. ثم استأنف فقال تعالى: { إن الإنسان ليطغى } يعني: أبا جهل. وكان إذا أصاب مالاً أَشر وبَطِرَ في ثيابه، ومراكبه، وطعامه { أن رآه استغنى } قال ابن قتيبة: أي: أن رأى نفسه استغنى. و «الرُّجْعى» المرجع.

قوله تعالى: «أرأيت الذي ينهى» معنى: أرأيت: تعجيبه المخاطب، وإنما كررها للتأكيد والتعجيب. والمراد بالناهي هاهنا: أبو جهل. قال أبو هريرة: قال أبو جهل هل يعفِّر محمَّدٌ وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم. قال: فبالذي يحلف به لئن رأيتُه لأَطَأَنَّ على رقبته. فقيل له: هاهو ذاك يصلي. فانطلق لِيَطَأَ على رقبته، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتَّقي بيديه، فأتَوْه فقالوا: مالك يا أبا الحكم؟ فقال: إن بيني وبينه خندقاً من نار، وهولاً وأَجْنِحَةً. وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً " ، فأنزل الله تعالى { أرأيت الذي ينهى } إلى آخر السورة. وقال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟! فانصرف إليه النبي صلى الله عليه وسلم فَزَبَرَه، فقال أبو جهل: والله إنك لتعلم ما بها نادٍ أكثر مني، فأنزل الله تعالى: { فليدع ناديه سندع الزبانية } قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله.

قال المفسرون: والمراد بالعبد هاهنا: محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: كانت الصلاة صلاة الظهر.

قوله تعالى: { أرأيت إن كان على الهدى } يعني المنهي وهو النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله تعالى: { أرأيتَ إن كذَّب وتولَّى } يعني: الناهي، وهو أبو جهل، قال الفراء: والمعنى: أرأيتَ الذي ينهى عبداً إذا صلى، وهو كاذب مُتَوَلٍّ عن الذِّكْر، فأي شيء أعجب من هذا؟! وقال ابن الأنباري: تقديره: أرأيته مصيباً.

قوله تعالى: { ألم يعلم } يعني أبا جهل { بأنَّ الله يرى } ذلك فيجازيه { كلا } أي: لا يعلم ذلك { لئن لم ينته } عن تكذيب محمد وشتمه وإيذائه { لنسفعاً بالناصية } السفع: الأخذ، والناصية: مُقَدَّم الرأس. قال أبو عبيدة: يقال: سفعتُ بيده، أي أخذتُ بها. وقال الزجاج: يقال سفعتُ الشيءَ: إذا قبضتَ عليه وجذبته جذباً شديداً. والمعنى: لَنَجُرَّنَّ ناصيته إلى النار.

قوله تعالى: { ناصيةٍ } قال أبو عبيدة: هي بدل، فلذلك جَرَّها. قال الزجاج: والمعنى: بناصية صاحبُها كاذبٌ خاطىءٌ، كما يقال: نهارُه صائم، وليله قائم، أي: هو صائم في نهاره، قائم في ليله { فليَدْعُ ناديه } أي: أهل ناديه، وهم أهل مجلسه فليستنصرهم { سَنَدْعُ الزَّبانية } قال عطاء: هم الملائكة الغِلاظ الشِّداد. وقال مقاتل: هم خَزَنَةُ جهنم. وقال قتادة: الزَّبانية في كلام العرب: الشُّرَط.

السابقالتالي
2