الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } * { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } * { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } * { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } * { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } * { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } * { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ }

قوله تعالى: { والليل إذا يغشى } قال ابن عباس: يغشى بظلمته النهار. وقال الزجاج: يغشى الأفق، ويغشى جميع ما بين السماء والأرض، { والنهار إذا تجلى } أي: بان وظهر من بين الظلمة، { وما خلق الذكر والأنثى } في «ما» قولان. وقد ذكرناهما عند قوله تعالى:وما بناها } [الشمس: 5] وفي «الذكر والأنثى» قولان.

أحدهما: آدم وحواء، قاله ابن السائب، ومقاتل.

والثاني: أنه عام، ذكره الماوردي. قوله تعالى: { إن سعيكم لشتى } هذا جواب القسم. قال ابن عباس: إن أعمالكم لمختلفة، عمل للجنة، وعمل للنار. وقال الزجاج: سعي المؤمن والكافر مختلف، بينهما بُعْدٌ.

وفي سبب نزول هذه السورة قولان.

أحدهما: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى بلالاً من أُمَيَّة وأُبَيٍّ ابنَي خلف بِبُرْدةٍ وعشرة أواق، فأعتقه، فأنزل الله عز وجل «والليل» إلى قوله تعالى: { إن سعيكم لشتى } يعني: سعي أبي بكر، وأُميَّة وأُبَيٍّ، قاله عبد الله بن مسعود.

والثاني: " أن رجلاً كانت له نخلةٌ فرعُها في دار رجلٍ فقيرٍ ذي عيال، وكان الرجل إذا صَعِدَ النخلة ليأخذ منها الثمر، فربما سقطت الثمرة، فيأخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى يأخذ الثمرة من أيديهم، فإن وجدها في فم أحدهم أدخل أصبعه حتى يخرجها، فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقي النبيُّ صلى الله عليه وسلم صاحبَ النخلة، فقال: «تعطني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة؟» فقال الرجل: إن لي نخلاً وما فيه نخلة أعجب إليَّ منها، ثم ذهب الرجل، فقال رجل: ممن سمع ذلك الكلام: يا رسول الله، أتعطيني نخلة في الجنة إن أنا أخذتها؟ قال: نعم، فذهب الرجل، فلقي صاحب النخلة، فساومها منه، فقال له: أَمَا شَعَرْتَ أن محمداً أعطاني بها نخلة في الجنة؟ فقلتُ: ما لي نخلة أعجب إليَّ منها، فقال له: أتريد بيعها؟ قال: لا، إلا أن أُعطى بها مالا أظنني أعطى، قال: ما مناك؟ قال: أربعون نخلة، فقال: أنا أُعطيك أربعين نخلة، فأشهد له ناساً، ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن النخلة قد صارت في ملكي، وهي لك، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب الدار، فقال: النخلة لك ولعيالك، فأنزل الله عز وجل «والليل إذا يغشى» إلى قوله تعالى { إن سعيكم لشتى } " رواه عكرمة عن ابن عباس. وقال عطاء: الذي اشتراها من الرجل أبو الدحداح، أخذها بحائط له، فأنزل الله تعالى هذه الآيات إلى قوله تعالى: «إن سعيكم لشتى» أبو الدحداح، وصاحب النخلة.

قوله تعالى: { فأما من أعطى واتقى } قال ابن مسعود: يعني: أبا بكر الصديق، هذا قول الجمهور.

السابقالتالي
2