الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } * { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } * { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } * { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } * { وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } * { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ }

قوله تعالى: { لا أقسم } قال الزجاج: المعنى: أقسم. و «لا» دخلت توكيداً، كقوله تعالى:لئلا يعلم أهل الكتاب } [الحديد: 29] وقرأ عكرمة، ومجاهد، وأبو عمران، وأبو العالية، «لأُقْسِمُ» قال الزجاج: وهذه القراءة بعيدة في العربية، وقد شرحنا هذا في أول «القيامة».

قوله تعالى: { وأنت حل بهذا البلد } فيه ثلاثة أقوال.

و { البلد } هاهنا: مكة.

أحدها: حل لك ما صنعت في هذا البلد من قَتْلٍ أو غيره، قاله ابن عباس، ومجاهد. قال الزجاج: يقال: رجل حِلٌّ، وحَلاَل، ومُحِلٌّ. قال المفسرون: والمعنى: إن الله تعالى وعد نبيَّه أن يفتح مكة على يديه بأن يُحلَّها له، فيكون فيها حِلاًّ.

والثاني: فأنت مُحِلٌّ بهذا البلد غير مُحْرم في دخوله، يعني: عام الفتح، قاله الحسن، وعطاء.

والثالث: أن المشركين بهذا البلد يستحلون إخراجك وقتلك، ويحرِّمون قتل الصيد، حكاه الثعلبي.

قوله تعالى: { ووالدٍ وما ولد } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه آدم وما ولد، قاله الحسن، ومجاهد، والضحاك، وقتادة.

والثاني: أولاد إبراهيم، وما ولد: ذريته، قاله أبو عمران الجوني.

والثالث: أنه عامٌّ في كل والدٍ وما ولد، حكاه الزجاج.

قوله تعالى: { لقد خلقنا الإنسان } هذا جواب القسم.

وفيمن عنى بالإنسان خمسة أقوال.

أحدهما: أنه اسم جنس، وهو معنى قول ابن عباس.

والثاني: أنه أبو الأشدين الجمحي، وقد سبق ذكره، [المدثر: 29، والانفطار: 5] قاله الحسن.

والثالث: أنه الحارث بن عامر بن نوفل، وذلك أنه أذنب ذنباً، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، فقال: لقد ذهب مالي في الكفارات، والنفقات منذ دخلت في دين محمد، قاله مقاتل.

والرابع: آدم عليه السلام، قاله ابن زيد.

والخامس: الوليد بن المغيرة، حكاه الثعلبي.

قوله تعالى: { في كَبَدٍ } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: في نَصَبٍ، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو عبيدة، فإنهم قالوا: في شدة. قال الحسن: يكابد الشكر على السَّرَّاء والصبر على الضَّرَّاء، لأنه لا يخلو من أحدهما ويكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة. قال ابن قتيبة: في شدة غلبةٍ ومكابدةٍ لأمور الدنيا والآخرة، فعلى هذا يكون من مكابدة الأمر، وهي معاناته.

والثاني: أن المعنى: خلق منتصباً يمشي على رجلين، وسائر الحيوان غير منتصب، رواه مقسم عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، والضحاك، وعطية، والفراء، فعلى هذا يكون معنى الكبد: الاستواء والاستقامة.

والثالث: في وسط السماء، قال ابن زيد: «لقد خلقنا الإنسان» يعني: آدم «في كبد» أي: في وسط السماء.

قوله تعالى: { أيحسب أن لن يقدر عليه أحد } يعني اللهَ عز وجل أي: [أيحسب أن] لن نقدر على بعثه، ومعاقبته؟! { يقول أهلكت مالا لُبَداً } أي: كثيراً، قال أبو عبيدة: هو فعل من التلبُّد، وهو المال الكثير بعضه على بعض.

السابقالتالي
2