الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله تعالى: { ومنهم من عاهد الله } في سبب نزولها أربعة أقوال.

أحدها: " أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالاً، فقال: ويحك يا ثعلبة، قليلٌ تؤدي شكرَهُ، خير من كثير لا تطيقه قال: ثم قال مرة أخرى، فقال: أما ترضى أن تكون مثل نبي الله؟ فوالذي نفسي بيده لو شئتُ أن تسير معي الجبال ذهباً وفضة، لسارت فقال: والذي بعثك بالحق، لئن دعوتَ الله أن يرزقني مالاً، لأُوتينَّ كل ذي حق حقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالاً فاتخذ غنماً، فنمت، فضاقت عليه المدينة، فتنحَّى عنها، ونزل وادياً من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة، ويترك ما سواهما. ثم نَمت، حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، ثم نمت، فترك الجمعة. فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُخبر خبره، فقال: يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة وأنزل الله تعالى: { خذ من أموالهم صدقة } [التوبة: 9] وأنزل فرائض الصدقة؛ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة، وكتب لهما كتاباً يأخذان الصدقة، وقال: مُرّا بثعلبة، وبفلان رجل من بني سُليم، فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة، وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا إلا جزية، ما هذه إلا أُخت الجزية، ما أدري ما هذا، انطلقا حتى تفرغا ثم تعودا إليَّ، فانطلقا. فأُخبر السُلَميّ، فاستقبلهما بخيار ماله، فقالا: لا يجب هذا عليك؛ فقال: خذاه، فان نفسي بذلك طيبة؛ فأخذا منه. فلما فرغا من صدقتهما، مرّا بثعلبة، فقال: أروني كتابكما، فقال: ما هذه إلا أُخت الجزية، انطلقا حتى أرى رأيي، فانطلَقا، فأخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان، فنزلت هذه الآية إلى قوله: { بما كانوا يكذبون } ، وكان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فخرج إلى ثعلبة، فأخبره، فأتى رسولَ الله، وسأله أن يقبل منه صدقته، فقال: إن الله قد منعني أن أقبل منك صدقتك؛ فجعل يحثو التراب على رأسه. فقال: هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني. فرجع إلى منزله، وقُبض رسول الله، ولم يقبل منه شيئاً " ، فلما ولي أبو بكر، سأله أن يقبل منه، فأبى، فلما ولي عمر، سأله أن يقبل منه، فأبى، فلما ولي عثمان، سأله أن يقبلها؛ فقال: لم يقبلها رسول الله، ولا أبو بكر، ولا عمر، فلم يقبلها.

وهلك ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عنه. روى هذا الحديث القاسم عن أبي أمامة الباهلي.

السابقالتالي
2