الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } * { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله } أي: قنعوا بما أُعطوا { إنا إلى الله راغبون } في الزيادة، أي: لكان خيراً لهم، وهذا جواب { لو } ، وهو محذوف في اللفظ.

ثم بيَّن المستحق للصدقات بقوله: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } اختلفوا في صفة الفقير والمسكين على ستة أقوال.

أحدها: أن الفقير: المتعفف عن السؤال. والمسكين الذي يسأل وبه رَمَق، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وجابر بن زيد، والزهري، والحكم، وابن زيد، ومقاتل.

والثاني: أن الفقير: المحتاج الذي به زمانة. والمسكين: المحتاج الذي لا زمانة به، قاله قتادة.

والثالث: الفقير: المهاجر، والمسكين: الذي لم يهاجر، قاله الضحاك بن مزاحم، والنخعي.

والرابع: الفقير: فقير المسلمين، والمسكين: من أهل الكتاب، قاله عكرمة.

والخامس: أن الفقير: من له البُلْغَة من الشيء، والمسكين الذي ليس له شيء، قاله أبو حنيفة، ويونس بن حبيب، ويعقوب بن السكّيت، وابن قتيبة. واحتجوا بقول الراعي:
أمَّا الفقيرُ الذي كانتْ حَلُوبَتُه   وفقَ العيال فلم يُتْرَكْ له سَبَدُ
فسماه فقيراً، وله حَلوبة تكفيه وعياله. وقال يونس: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال لا والله، بل مسكين؛ يريد أنا أسوأ حالاً من الفقير.

والسادس: أن الفقير أمسُّ حاجةً من المسكين، وهذا مذهب أحمد، لأن الفقير مأخوذ من انكسار الفَقار، والمسكنة مأخوذة من السكون والخشوع، وذلك أبلغ. قال ابن الأنباري: ويروى عن الأصمعي أنه قال: المسكين أحسن حالاً من الفقير. وقال أحمد بن عبيد: المسكين أحسن حالاً من الفقير، لأن الفقير أصله في اللغة: المفقور الذي نزعت فَقره من فِقَرِ ظهره، فكأنه انقطع ظهره من شدة الفقر؛ فصُرف عن مفقور إلى فقير، كما قيل: مجروح وجريح، ومطبوخ وطبيخ، قال الشاعر:
لَمّا رأى لُبَدَ النُّسُورِ تَطَايَرَتْ   رَفَعَ القَوادِمَ كالفقيرِ الأعْزَلِ
قال: ومن الحجة لهذا القول قوله:وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } [الكهف: 79] فوصف بالمسكنة من له سفينة تساوي مالاً، قال: وهو الصحيح عندنا.

قوله تعالى: { والعاملين عليها } وهم السعاة لجباية الصدقة، يُعْطَوْنَ منها بقدر أُجُور أمثالهم، وليس ما يأخذونه بزكاة.

قوله تعالى: { والمؤلَّفِة قلوبهم } وهم قوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألَّفهم على الإسلام بما يعطيهم، وكانوا ذوي شرف، وهم صنفان: مسلمون، وكافرون. فأما المسلمون، فصنفان: صنف كانت نِيَّاتُهم في الإسلام ضعيفة، فتألَّفهم تقويةً لِنيَّاتهم، كعُيَيْنة بن حصن، والأقرع؛ وصنف كانت نياتهم حسنة، فأُعطوا تألُّفاً لعشائرهم من المشركين، مثل عدي بن حاتم. وأما المشركون، فصنفان: صنف يقصدون المسلمين بالأذى، فتألَّفهم دفعاً لأذاهم، مثل عامر بن الطفيل؛ وصنف كان لهم ميل إلى الإسلام، تألَّفهم بالعطية ليؤمنوا، كصفوان بن أُمية. وقد ذكرت عدد المؤلفة في كتاب «التلقيح».

السابقالتالي
2