الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { إلا تنصروه } أي: بالنفير معه { فقد نصره الله } إعانةً على أعدائه، { إذ أخرجه الذين كفروا } حين قصدوا إهلاكه على ما شرحنا في قوله:وإذ يمكر بك الذين كفروا } [الأنفال: 30] فأعلمهم أن نصره ليس بهم.

قوله تعالى: { ثاني اثنين } العرب تقول: هو ثاني اثنين، أي: أحد الاثنين، وثالث ثلاثة، أي: أحد الثلاثة، قال الزجاج: وقوله: { ثاني اثنين } منصوب على الحال؛ المعنى: فقد نصره الله أحد اثنين، أي: نصره منفرداً إلا من أبي بكر، وهذا معنى قول الشعبي: عاتب الله أهل الأرض جميعاً في هذه الآية غير أبي بكر. وقال ابن جرير: المعنى: أخرجوه وهو أحد الاثنين، وهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر. فأما الغار، فهو ثَقب في الجبل، وقال ابن فارس: الغار: الكهف، والغار: نبت طيِّب الرِّيح، والغار: الجماعة من الناس، والغاران: البطن والفرج، وهما الأجوفان، يقال: إنما هو عبد غارَيْه. قال الشاعر:
ألَم تر أنَّ الدَّهْرَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ   وأنَّ الفَتَى يَسْعَى لِغَارَيْهِ دَائِبَا
قال قتادة: وهذا الغار في جبل بمكة يقال له: ثور. قال مجاهد: مكثا فيه ثلاثاً. وقد ذكرت حديث الهجرة في كتاب «الحدائق». قال أنس بن مالك:

أمر الله عز وجل شجرة فنبتت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر العنكبوت فنسجت في وجهه، وأمر حمامتين وحشيتين فوقعتا في فم الغار، فلما دنوا من الغار، عَجِل بعضهم لينظر، فرأى حمامتين فرجع فقال: رأيت حمامتين على فم الغار، فعلمت أنه ليس فيه أحد. وقال مقاتل: جاء القائف فنظر إلى الأقدام فقال: هذه قدم ابن أبي قحافة، والأخرى لا أعرفها، إلا أنها تشبه القدم التي في المقام. وصاحبه في هذه الآية أبو بكر، وكان أبو بكر قد بكى لما مرَّ المشركون على باب الغار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ؟

وفي السكينة ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها الرحمة، قاله ابن عباس. والثاني: الوقار، قاله قتادة. والثالث: السكون والطمأنينة. قاله ابن قتيبة: وهو أصح.

وفي هاء «عليه» ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها ترجع إلى أبي بكر، وهو قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وحبيب بن أبي ثابت، واحتجَ من نصر هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مطمئناً.

والثاني: أنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قاله مقاتل.

والثالث: أن الهاء هاهنا في معنى تثنية، والتقدير: فأنزل الله سكينته عليهما، فاكتفى باعادة الذِّكر على أحدهما من إعادته عليهما، كقوله:والله ورسوله أحق أن يرضوه } [التوبة: 62] ذكره ابن الأنباري.

قوله تعالى: { وأيده } أي: قوَّاه: يعني النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف.

السابقالتالي
2