الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { إن عدة الشهور عند الله } قال المفسرون: نزلت هذه الآية من أجل النسيء الذي كانت العرب تفعله، فربما وقع حجهم في رمضان، وربما وقع في شوال، إلى غير ذلك؛ وكانوا يستحلُّون المحرَّم عاماً، ويحرِّمون مكانه صفر، وتارة يحرِّمون المحرَّم ويستحلُّون صفر. قال الزجاج: أعلم الله عز وجل أن عدد شهور المسلمين التي تُعُبِّدوا بأن يجعلوه لسنتهم: اثنا عشر شهراً على منازل القمر؛ فجعل حجهم وأعيادهم على هذا العدد، فتارة يكون الحج والصوم في الشتاء، وتارة في الصيف، بخلاف ما يعتمده أهل الكتاب، فانهم يعملون على أن السنة ثلاثمائة يوم وخمسة وستون يوماً وبعض يوم. وجمهور القراء على فتح عين { اثنا عشر }. وقرأ أبو جعفر: اثنا عشر، وأحد عْشر، وتسعة عْشر، بسكون العين فيهن.

قوله تعالى: { في كتاب الله } أي: في اللوح المحفوظ. قال ابن عباس: في الإمام الذي عند الله، كتبه: { يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم } وفيها قولان.

أحدهما: أنها رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، قاله الأكثرون. وقال القاضي أبو يعلى: إنما سماها حُرُماً: لمعنيين. أحدهما: تحريم القتال فيها، وقد كان أهل الجاهلية يعتقدون ذلك أيضاً. والثاني: لتعظيم انتهاك المحارم فيها أشدَّ من تعظيمه في غيرها، وكذلك تعظيم الطاعات فيها.

والثاني: انها الأشهُر التي أُجِّل المشركون فيها للسياحة، ذكره ابن قتيبة.

قوله تعالى: { ذلك الدِّين القيِّم } فيه قولان.

أحدهما: ذلك القضاء المستقيم، قاله ابن عباس.

والثاني: ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوي، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى: { فلا تظلموا فيهن أنفسَكم } اختلفوا في كناية «فيهنَّ» على قولين:

أحدهما: أنها تعود على الاثني عشر شهراً، قاله ابن عباس. فعلى هذا يكون المعنى: لا تجعلوا حرامها حلالاً، ولا حلالها حراماً، كفعل أهل النسيء.

والثاني: أنها ترجع إلى الأربعة الحرم، وهو قول قتادة، والفراء؛ واحتج بأن العرب تقول لما بين الثلاثة إلى العشرة: لثلاث ليال خَلَوْنَ، وأيام خلون، فاذا جُزتَ العشَرة قالوا خلتْ ومضتْ، ويقولون لما بين الثلاثة إلى العشرة: هُنَّ، وهؤلاء، فاذا جزتَ العشرة، قالوا: هي، وهذه؛ إرادةَ أن تُعرف سمة القليل من الكثير. وقال ابن الأنباري: العرب تعيد الهاء والنون على القليل من العدد، والهاء والألف على الكثير منه؛ والقلَّة: ما بين الثلاثة إلى العشرة، والكثرة: ما جاوز العشرة. يقولون: وجهتُ إليك أكبُشاً فاذبحْهُنَّ، وكباشاً فاذبحها فلهذا قال: { منها أربعة حرم } وقال: { فلا تظلموا فيهن } لأنه يعني: بقوله: { فيهن } الأربعة. ومن قال من المفسرين: إنه يعني بقوله: { فيهن } الاثني عشر، فانه ممكن؛ لأن العرب ربما جعلت علامة القليل للكثير، وعلامة الكثير للقليل، وعلى قول من قال: ترجع { فيهن } إلى الأربعة، يُخرَّج في معنى الظلم فيهن أربعة أقوال.

السابقالتالي
2