الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } * { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ }

قوله تعالى: { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } قد أُمر بقتال الكفار على العموم، وإنما يُبتدَأ بالأقرب فالأقرب. وفي المراد بمن يليهم خمسة أقوال.

أحدها: أنهم الروم، قاله ابن عمر. والثاني: قريظة، والنضير، وخيبر، وفدك، قاله ابن عباس. والثالث: الديلم، قاله الحسن. والرابع: العرب، قاله ابن زيد. والخامس: أنه عام في قتال الأقرب فالأقرب، قاله قتادة. وقال الزجاج: في هذه الآية دليل على أنه ينبغي أن يقاتل أهل كل ثغر الذين يلونهم. قال: وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما تخطَّى في حربه الذين يلونه من الأعداء ليكون ذلك أهْيَبَ له، فأُمر بقتال من يليه ليُستَنَّ بذلك. وفي الغلظة ثلاث لغات: غِلظة، بكسر الغين؛ وبها قرأ الأكثرون. وغَلظة، بفتح الغين، رواها جبلة عن عاصم. وغُلظة بضم الغين، رواها المفضل عن عاصم. ومثلها: جِذوة وجَذوة وجُذوة، ووِجنة ووَجنة ووُجنة، ورِغوة ورَغوة ورُغوة، ورِبوة ورَبوة ورُبوة، وقِسوة وقَسوة وقُسوة، وإِلوة وأَلوة وأُلوة، في اليمين. وشاة لِجْبة ولَجْبة ولُجْبة: قد ولىَّ لبنها. قال ابن عباس في قوله «غلظة». شجاعة وقال مجاهد: شدة.

قوله تعالى: { فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إِيماناً } هذا قول المنافقين بعضهم لبعض استهزاءً بقول الله تعالى. { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً } لأنهم إذا صدَّقوا بها وعملوا بما فيها. زادتهم إيماناً. { وهم يستبشرون } أي: يفرحون بنزولها. { وأما الذين في قلوبهم مرض } أي: شك ونفاق.

وفي المراد بالرجس ثلاثة أقوال.

أحدها: الشك، قاله ابن عباس.

والثاني: الإثم، قاله مقاتل.

والثالث: الكفر، لأنهم كلما كفروا بسورة زاد كفرهم، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { أولا يرون } يعني المنافقين. وقرأ حمزة: «أولا ترون» بالتاء على الخطاب للمؤمنين. وفي معنى { يُفتَنُون } ثمانية أقوال.

أحدها: يكذبون كذبة أو كذبتين يُضلِّون بها، قاله حذيفة بن اليمان.

والثاني: ينافقون ثم يؤمنون ثم ينافقون، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: يُبْتَلَوْنَ بالغزو في سبيل الله، قاله الحسن، وقتادة.

والرابع: يُفْتَنون بالسَّنَة والجوع، قاله مجاهد.

والخامس: بالأوجاع والأمراض، قاله عطية.

والسادس: يَنقضُون عهدهم مرة أو مرتين، قاله يمان.

والسابع: يكفرون، وذلك أنهم كانوا إذا أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بما تكلَّموا به إذ خَلَوْا، علموا أنه نبي، ثم يأتيهم الشيطان فيقول: إنما بلغه هذا عنكم، فيشركون، قاله مقاتل بن سليمان.

والثامن: يُفضَحون باظهار نفاقهم، قاله مقاتل بن حيان.

قوله تعالى: { ثم لا يتوبون } أي: من نفاقهم. { ولا هُمْ يذَّكَّرونَ } أي: يعتبرون ويتَّعظون.