الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { وعلى الثلاثة الذين خُلِّفُوا } وقرأ أبو رزين، وأبو مجلز، والشعبي، وابن يعمر: «خالفوا» بألف. وقرأ معاذ القارىء، وعكرمة، وحميد: «خَلَفُوا» بفتح الخاء واللام المخففة. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو العالية: «خَلَّفوا» بفتح الخاء واللام مع تشديدها. وهؤلاء هم المرادون بقوله: { وآخرون مُرجَوْنَ } وقد تقدَّمت أسماؤهم [التوبة: 106] وفي معنى «خُلّفوا» قولان.

أحدهما: خُلِّفوا عن التوبة، قاله ابن عباس، ومجاهد، فيكون المعنى: خُلِّفوا عن توبة الله على أبي لبابة وأصحابه إذ لم يخضعوا كما خضع أولئك.

والثاني: خُلِّفوا عن غزوة تبوك، قاله قتادة. وحديثهم مندرج في توبة كعب بن مالك، وقد رويتها في كتاب «الحدائق».

قوله تعالى: { حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت } أي: ضاقت مع سَعَتها، وذلك أن المسلمين مُنعوا من معاملتهم وكلامهم، وأُمروا باعتزال أزواجهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مُعرِضاً عنهم. { وضاقت عليهم أنفسهم } بالهمِّ والغمِ. { وظنوا } أي: أيقنوا { أن لا ملجأ } أي: لا معتصَم من الله ومن عذابه إلا هو. { ثم تاب عليهم } أعاد التوبة تأكيداً، { ليتوبوا } قال ابن عباس: ليستقيموا وقال غيره: وفَّقهم للتوبة ليدوموا عليها ولا يرجعوا إلى ما يبطلها. وسئل بعضهم عن التوبة النصوح، فقال: أن تضيق على التائب الارضُ، وتضيق عليه نفسه، كتوبة كعب وصاحبيه.