الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

فصل في نزولها

هي مدنية باجماعهم، سوى الآيتين في آخرها:لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [التوبة: 128] فانها نزلت بمكة. روى البخاري في «صحيحه» من حديث البراء قال: آخر سورة نزلت (براءة). وقد نُقل عن بعض العرب أنه سمع قارئاً يقرأ هذه السورة، فقال الأعرابي: إني لأحسب هذه من آخر ما نزل من القرآن. قيل له: ومن أين علمت؟ فقال: إني لأسمع عهوداً تُنْبَذُ ووصايا تُنَفَّذ.

فصل

واختلفوا في أول ما نزل من (براءة) على ثلاثة أقوال.

أحدها: أن أول ما نزل منها قولهلقد نصركم الله في مواطن كثيرة } [التوبة: 25] قاله مجاهد.

والثاني:انفروا خفافاً وثقالاً } [التوبة: 41] قاله أبو الضحى، وأبو مالك.

والثالث:إلاَّ تنصروه } [التوبة: 40] قاله مقاتل. وهذا الخلاف إنما هو في أول ما نزل منها بالمدينة، فانهم قد قالوا: نزلت الآيتان اللتان في آخرها بمكة.

فصل

ولها تسعة أسماء.

أحدها: سورة التوبة.

والثاني: براءة؛ وهذان مشهوران بين الناس.

والثالث: سورة العذاب، قاله حذيفة.

والرابع: المُقَشْقِشَة، قاله ابن عمر.

والخامس: سورة البَحوث، لأنها بحثت عن سرائر المنافقين، قاله المقداد بن الأسود.

والسادس: الفاضحة، لأنها فضحت المنافقين، قاله ابن عباس.

والسابع: المبعثِرة، لأنها بعثرت أخبار الناس، وكشفت عن سرائرهم، قاله الحارث بن يزيد، وابن إسحاق.

والثامن: المثيرة، لأنها أثارت مخازي المنافقين ومثالبهم، قاله قتادة.

والتاسع: الحافرة، لأنها حفرت عن قلوب المنافقين، قاله الزجاج.

فصل

وفي سبب امتناعهم من كتابة التسمية في أولها ثلاثة أقوال.

أحدها: رواه ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم على أن عمدتم إلى (الأنفال) وهي من المثاني، وإلى (براءة) وهي من المئين، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما «بسم الله الرحمن الرحيم»؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُنزل عليه الشيء يدعو بعضَ مَن يكتب، فيقول: " ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " ، وكانت (الأنفال) من أوائل ما نزل بالمدينة، و(براءة) من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وقُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُبيِّن لنا أنها منها، فظننا أنها منها، فمن ثَمَّ قرنتُ بينهما ولم أكتب بينهما: «بسم الله الرحمن الرحيم». وذُكر نحو هذا المعنى عن أُبَيِّ بن كعب. قال الزجاج: والشبه الذي بينهما: أن في (الأنفال) ذكر العهود، وفي (براءة) نقضها. وكان قتادة يقول: هما سورة واحدة.

والثاني: رواه محمد بن الحنفية، قال: قلت لأبي: لِمَ لم تكتبوا في (براءة) «بسم الله الرحمن الرحيم»؟ فقال: يا بنيَّ، إن (براءة) نزلت بالسيف وإن «بسم الله الرحمن الرحيم» أمانٌ. وسئل سفيان بن عيينة عن هذا، فقال: لأن التسمية رحمة، والرحمة أمان، وهذه السورة نزلت في المنافقين.

السابقالتالي
2 3