الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } * { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } * { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } * { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } * { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } * { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } * { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } * { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } * { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } * { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } * { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي }

قوله تعالى: { فأما الإنسان } فيمن عنى به أربعة أقوال.

أحدها: عتبة بن ربيعة، وأبو حذيفة بن المغيرة، رواه عطاء عن ابن عباس.

والثاني: أُبَيّ بن خلف، قاله ابن السائب.

والثالث: أُمية بن خلف، قاله مقاتل.

والرابع: أنه الكافر الذي لا يؤمن بالبعث، قال الزجاج: وابتلاه بمعنى اختبره بالغنى واليسر { فأكرمه } بالمال { ونَعَّمه } بما وسَّع عليه من الإفضال { فيقول ربي أكرمني } فتح ياء «ربيَ» «أكرمنيَ» «ربيَ» «أهاننيَ» أهل الحجاز، وأبو عمرو، أي: فضلني بما أعطاني، ويظن أن ما أعطاه من الدنيا لكرامته عليه { وأما إذا ما ابتلاه } بالفقر { فقَدَر عليه رِزْقَه } وقرأ أبو جعفر، وابن عامر «فقدَّر» بتشديد الدال، والمعنى: ضيَّق عليه بأن جعله على مقدار البُلْغَة { فيقول ربي أهانني } أي: هذا الهوان منه لي حين أذلَّني بالفقر.

واعلم أن من لا يؤمن بالبعث، فالكرامة عنده زيادة الدنيا، والهوان قِلَّتُها.

قوله تعالى: { كلا } أي: ليس الأمر كما يظن. قال مقاتل: ما أعطيت [من أغنيت] هذا الغنى لكرامته عليَّ، ولا أفقرت [مَنْ] أفقرت لهوانه عليَّ، وقال الفراء: المعنى: لم يكن ينبغي له أن يكون هكذا، إنما ينبغي أن يحمد الله على الأمرين: الفقر، والغنى. ثم أخبر عن الكفار فقال تعالى: { بل لا تكرمون اليتيم } قرأ أهل البصرة «يُكرِمون» و «يَحُضُّون» و «يَأْكُلون» و «يُحِبُّون» بالياء فيهن، والباقون بالتاء. ومعنى الآية: إني أهنت من أهنت من أجل أنه لا يكرم اليتيم. والآية تحتمل معنيين.

أحدهما: أنهم كانوا لا يَبَرُّونه.

والثاني: لا يعطونه حَقَّه من الميراثِ، وكذلك كانت عادة الجاهلية لا يورِّثون النساء ولا الصبيان. ويدل على المعنى الأول قوله تعالى: { ولا تَحاضُّون على طعام المسكين } قرأ أبو جعفر، وأهل الكوفة «تحاضون» بألف مع فتح التاء. وروى الشيرزي عن الكسائي كذلك إلا أنه ضم التاء. والمعنى: لا يأمرون بإطعامه لأنهم لا يرجون ثواب الآخرة. ويدل على المعنى الثاني قوله تعالى: { وتأكلون التُّراثَ أكلاً لَمّا } قال ابن قتيبة: التراث: الميراث، والتاء فيه منقلبة عن واوٍ، كما قالوا: تُجاه، والأصل: وُجاه، وقالوا: تُخمَة، والأصل: وُخَمَة. و { لَمَّا } أي: شديداً، وهو من قولك: لممْتُ بالشيء: إذا جمعتَه، وقال الزجاج: هو ميراث اليتامى.

قوله تعالى: { وتحبون المال } أي: تحبون جمعه { حُبّاً جماً } أي: كثيراً فلا تنفقونه في خير { كلا } أي: ما هكذا ينبغي أن يكون [الأمر]. ثم أخبر عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم، فقال تعالى: { إذا دُكَّت الأرض دَكَّاً دَكَّاً } أي: مرَّة بعد مرَّة، فتكسَّر كل شيء عليها، { وجاء ربك } قد ذكرنا هذا المعنى في قوله تعالى:هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } [البقرة: 210].

قوله تعالى: { والملك صفاً صفاً } أي: تأتي [ملائكة] كل سماءٍ صفاً [صفا] على حدة.

السابقالتالي
2