الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } * { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } * { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } * { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } * { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } * { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }

قوله تعالى: { بلى } قال الفراء: المعنى: بلى ليحورون، ثم استأنف، فقال تعالى: { إن ربه كان به بصيراً } قال المفسرون: بصيراً به على جميع أحواله.

قوله تعالى: { فلا أقسم } قد سبق بيانه.

فأما «الشفق» فقال ابن قتيبة: هما شفقان: الأحمر، والأبيض، فالأحمر: من لدن غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء ثم يغيب، ويبقى الشفق الأبيض إلى نصف الليل.

وللمفسرين في المراد «بالشفق» هاهنا ستة أقوال.

أحدها: الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشمس. وقد روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الشفق: الحمرة»، وهذا قول عمر، وابنه، وابن مسعود، وعبادة، وأبي قتادة، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، وابن المسيب، وابن جبير، وطاووس، ومكحول، ومالك، والأوزاعي، وأبي يوسف، والشافعي، وأبي عبيد، وأحمد، وإسحاق، وابن قتيبة، والزجاج. قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول وعليه ثوب مصبوغ: كأنه الشفق، وكان أحمر.

والثاني: أنه النهار.

والثالث: الشمس، روي القولان عن مجاهد.

والرابع: ما بقي من النهار، قاله عكرمة.

والخامس: السواد الذي يكون بعد ذهاب البياض، قاله أبو جعفر محمد ابن علي.

والسادس: أنه البياض، قاله عمر بن عبد العزيز.

قوله تعالى: { والليل وما وسق } أي: وما جمع وضم. وأنشدوا:
إنَّ لنا قَلائصَاً حَقَائِقا   مُسْتَوْسِقَاتٍ لو يَجِدْنَ سَائِقَا
قال أبو عبيدة: { وَمَا وَسَقَ } ما علا فلم يمنع منه شيء، فإذا جلل الليل الجبال، والأشجار، والبحار، والأرض، فاجتمعت له، فقد وسقها. وقال بعضهم: معنى: «ما وسق»: ما جمع مما كان منتشراً بالنهار في تصرفه إلى مأواه.

قوله تعالى: { والقمر إذا اتسق } قال الفراء: اتساقه: اجتماعه واستواؤه ليلة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، إلى ست عشرة.

قوله تعالى: { لتركبنَّ طبقاً عن طبق } قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي «لتركبن» بفتح التاء والباء، وفي معناه قولان.

أحدهما: أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم في معناه قولان.

أحدهما: لتركبنَّ سماءً بعد سماءٍ، قاله ابن مسعود، والشعبي، ومجاهد.

والثاني: لتركبن حالاً بعد حال، قاله ابن عباس، وقال: هو نبيُّكم.

والقول الثاني: أن الإشارة إلى السماء. والمعنى: أنها تتغير ضروباً من التغيير، فتارة كالمُهْل، وتارةً كالدِّهان، روي عن ابن مسعود أيضاً.

وقرأ عاصم، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر «لتركبنَّ» بفتح التاء، وضم الباء، وهو خطاب لسائر الناس. ومعناه. لتركبنَّ حالاً بعد حال. وقرأ ابن مسعود، وأبو الجوزاء، وأبو الأشهب، «ليركبَنّ» بالياء، ونصب الباء. وقرأ أبو المتوكل، وأبو عمران، وابن يعمر «ليركبُنَّ» بالياء، وضم الباء. و «عن» بمعنى: «بعد». وهذا قول عامة المفسرين واللغوين، وأنشدوا للأقرع بن حابس.
إنّي امْرُؤٌ قد حَلَبْتُ الدَّهْرَ أَشْطَرَهُ   وَسَاقَنِي طَبَقٌ منه إلى طَبَقِ

السابقالتالي
2