الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } * { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ } * { ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } * { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } * { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } * { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } * { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ }

قوله تعالى: { كلا } ردع وزجر، أي: ليس الأمر على ما هم عليه، فليرتدعوا. وهاهنا تم الكلام عند كثير من العلماء. وكان أبو حاتم يقول: «كلا» ابتداء يتصل بما بعده على معنى «حقاً» { إن كتاب الفجار } قال مقاتل: إن كتاب أعمالهم { لفي سجين } وفيها أربعة أقوال:

أحدها: أنها الأرض السابعة، وهذا قول مجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، ومقاتل. وروي عن مجاهد قال: «سجين» صخرة تحت الأرض السابعة، يجعل كتاب الفجار تحتها، وهذه علامة لخسارتهم، ودلالة على خساسة منزلتهم.

والثاني: أن المعنى إن كتابهم لفي سفال، قاله الحسن.

والثالث: لفي خسار، قاله عكرمة.

والرابع: لفي حبس، فعِّيل من السجن، قاله أبو عبيدة.

قوله تعالى: { وما أدراك ما سجين } هذا تعظيم لأمرها. وقال الزجاج: أي: ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك.

قوله تعالى: { كتاب مرقوم } أي: ذلك الكتاب الذي في سجين كتاب مرقوم، أي: مكتوب. قال ابن قتيبة: والرقم: الكتاب، قال أبو ذؤيب:
عَرَفْتُ الدِّيَارَ كَرَقْمِ الدَّوَا   ةِ يَزْبُرُه الكَاتِبُ الحِمْيَرِيُّ
وأنشده الزجاج: «يَذْبِرها» بالذال المعجمة، وكسر الباء. قال الأصمعي: يقال: زبر: كتب، وذبر: قرأ. وروى أبو عمرو عن ثعلب، عن ابن الأعرابي، قال: الصواب: زبرت ـ بالزاي ـ كتبت. وذبرت ـ بالذال ـ أتقنت ما حفظت. قال: والبيت يزبرها، بالزاي والضم. وقال ابن قتيبة: يروى «يزبرُها» و«يذبرُها» وهو مثله، يقال: زبر الكتاب يزبرُه، ويزبرِه. وذَبره يذبرُه، ويذبِره. وقال قتادة: رقّم له بشرٍّ، كأنه أعلم بعلامة يعرف بها أنه الكافر. وقيل: المعنى: إنه مثبت لهم كالرقم في الثوب، لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به.

قوله تعالى: { ويل يومئذ للمكذبين } هذا منتظم بقوله تعالى: { يوم يقوم الناس } وما بينهما كلام معترض. وما بعده قد سبق بيانه إلى قوله تعالى: { بل ران على قلوبهم } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر «بل ران» بفتح الراء مدغمة، وقرأ أبو بكر عن عاصم «بل ران» مدغمة بكسر الراء. وقرأ حفص عن عاصم «بل» بإظهار اللام «ران» بفتح الراء. قال اللغويون: أي: غلب على قلوبهم، يقال: الخمرة ترين على عقل السكران. قال الزجاج: قرئت بإدغام اللام في الراء، لقرب ما بين الحرفين، وإظهار اللام جائز، لأنه من كلمة، والرأس من كلمة أخرى. ويقال: ران على قلبه الذَّنْب يرين ريناً: إذا غشي على قلبه، ويقال: غان يغين غنياً، والغين كالغيم الرقيق، والرين كالصدأ يغشى على القلب. وسمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول: الغين يقال: بالراء، وبالغين، ففي القرآن «كلا بل ران» وفي الحديث " إنه ليغان على قلبي " وكذلك الراية تقال بالراء، وبالغين، والرميصاء تكتب «بالغين»، وبالراء، لأن الرمص يكتب بهما.

السابقالتالي
2 3