الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } * { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } * { وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } * { وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } * { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } * { ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } * { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ }

قوله تعالى: { فإذا جاءت الصاخة } وهي الصيحة الثانية. قال ابن قتيبة: الصاخة تصِخُّ صَخَّاً، أي: تُصِمُّ. يقال: رجل أصخ، وأصلخ: إذا كان لا يسمع. والداهية صاخة أيضاً. وقال الزجاج: هي الصيحة التي تكون عليها القيامة، تصخ الأسماع، أي: تصمها، فلا تسمع إلا ما تدعى به لإحيائها. ثم فسر في أي وقت تجيء، فقال تعالى: { يوم يَفِرُّ المرء من أخيه } قال المفسرون: المعنى: لا يلتفت الإنسان إلى أحد من أقاربه، لِعِظَم ما هو فيه. قال الحسن: أول من يَفِرُّ من أخيه هابيل، ومن أُمه وأبيه إبراهيم، ومن صاحبته نوح ولوط، ومن ابنه نوح. وقال قتادة: يفر هابيل من قابيل، والنبي صلى الله عليه وسلم من أُمه، وإبراهيم من أبيه، ولوط من صاحبته، ونوح من ابنه.

قوله تعالى: { لكل امرىءٍ منهم يومئذ شأن يُغنيه } قال الفراء: أي: يَشْغَلُه عن قرابته. وقال ابن قتيبة: أي: يَصْرِفه ويصدُّه عن قرابته، يقال: اغْنِ عني وجهك، أي: اصرفه، واغْن عني السفيه. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والزهري، وأبو العالية، وابن السميفع، وابن محيصن، وابن أبي عبلة، «يَعنيه» بفتح الياء والعين غير معجمة. قال الزجاج: معنى الآية: له شأن لا يقدر مع الاهتمام به على الاهتمام بغيره. وكذلك قراءة من قرأ «يغنيه» بالغين، معناه: له شأن لا يهمه معه غيره.

وقد روى أنس بن مالك قال: قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: أنحشر عراةً؟ قال: نعم. قالت: واسوءتاه، فأنزل الله تعالى { لكل امرىءٍ منهم يومئذ شأن يغنيه }.

قوله تعالى: { وجوه يومئذ مُسْفِرة } أي: مضيئة قد علمت ما لها من الخير { ضَاحِكَةٌ } لسرورها { مستبشرة } أي: فرحة بما نالها من كرامة الله عز وجل { ووجوه يومئذ عليها غَبَرة } أي: غبار. وقال مقاتل: أي سواد وكآبة { ترهقها } أي: تغشاها { قَتَرة } أي: ظُلمة. وقال الزجاج: يعلوها سواد كالدخان. ثم بَيَّن مَنْ أَهْلُ هذه الحال، فقال تعالى: { أولئك هم الكَفَرة الفَجَرة } وهو جمع كافر وفاجر.