الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } * { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } * { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } * { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } * { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } * { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } * { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } * { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } * { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }

قوله تعالى: { قتل الإنسان } أي: لعن. والمراد بالإنسان هاهنا: الكافر. وفيمن عنى بهذا القول ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه أشار إلى كل كافر، قاله مجاهد.

والثاني: أنه أُمية بن خلف، قاله الضحاك.

والثالث: عتبة بن أبي لهب، قاله مقاتل.

وفي قوله تعالى: { ما أكفره } ثلاثة أقوال.

أحدها: ما أشد كفره، قاله ابن جريج.

والثاني: أي شيء أكفَره؟ قاله السدي. فعلى هذا يكون استفهام توبيخ.

الثالث: أنه على وجه التعجُّب، وهذا التعجب يؤمر به الآدميون والمعنى: اعجبوا أنتم من كفره، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { من أيِّ شيءٍ خَلَقَه } ثم فسره فقال تعالى: { من نطفةٍ خَلَقه } ، وفي معنى «فقدره» ثلاثة أقوال.

أحدها: قدَّر أعضاءه: رأسه، وعينيه، ويديه، ورجليه، قاله ابن السائب.

والثاني: قدَّره أطواراً: نطفة، ثم علقة، إلى آخر خلقه، قاله مقاتل.

والثالث: فقدره على الاستواء، قاله الزجاج.

{ ثم السبيل يسَّره } فيه قولان.

أحدهما: سهَّل له العلم بطريق الحق والباطل، قاله الحسن، ومجاهد. قال الفراء: والمعنى: ثم يسره للسبيل.

والثاني: يسر له السبيل في خروجه من بطن أمه، قاله السدي، ومقاتل.

قوله تعالى: { فأقبرَه } قال الفراء: أي: جعله مقبوراً، ولم يجعله ممن يلقى للسباع والطير، فكأنَّ القبر مما أُكْرِم به المسلم. ولم يقل: قبره، لأن القابر هو الدافن بيده. والمُقْبِرُ الله، لأنه صيَّره مقبوراً، فليس فعله كفعل الآدمي. والعرب تقول: بَتَرْتُ ذَنَبَ البعير، والله أبتره. وَعضَبْتُ قَرْنَ الثور، والله أَعْضَبَه. وطردتُ فلاناً عني، والله أطرده، أي: صيَّره طريداً. وقال أبو عبيدة: أقبره: أي أمر أن يقبر، وجعل له قبراً. قالت بنو تميم لعمر بن هبيرة لما قتل صالح بن عبد الرحمن: أقبرنا صالحاً، فقال: دونكموه. والذي يدفن بيده هو القابر. قال الأعشى:

لَوْ أَسْنَدَتْ مَيْتاً إلى نَحْرِها   عاش وَلَمْ يُسْلَم إلى قَابِرِ
قوله تعالى: { ثم إذا شاء أنشره } أي: بعثه. يقال: أنشر الله الموتى، فَنُشِرُوا، ونَشَر الميِّتُ: حَيِيَ [هو] بِنَفْسه، وواحدهم ناشر. قال الأعشى:

حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مَمَّا رَأَوْا   يَا عَجَبَاً لِلْمَيِّتِ النّاشِرِ
قوله تعالى: { كلا } قال الحسن: حقاً { لمّا يقضِ ما أمره } به ربُّه، ولم يؤدِّ ما فرض عليه. وهل هذا عام، أم خاص؟ فيه قولان.

أحدهما: أنه عام. قال مجاهد: لا يقضي أحد أبداً كُلَّ ما افترض الله عليه.

والثاني: أنه خاص للكافر لم يقض ما أُمِرَ به من الإيمان والطاعة، قاله يحيى بن سلام. ولما ذَكَر خَلْق ابن آدم، ذكر رزقه ليعتبر وليستدلَّ بالنبات على البعث، فقال تعالى: { فلينظر الإنسان إلى طعامه } قال مقاتل: يعني به عتبة بن أبي لهب. ومعنى الكلام: فلينظر الإنسان كيف خلق الله طعامه الذي جعله سبباً لحياته؟ ثم بين فقال تعالى: { أنّا } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر «إنا» بالكسر.

السابقالتالي
2