الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } * { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } * { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } * { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } * { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } * { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } * { وَهُوَ يَخْشَىٰ } * { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } * { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } * { مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } * { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } * { كِرَامٍ بَرَرَةٍ }

قوله تعالى: { عبس وتولَّى } قال المفسرون: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، وأُمية وأُبَيَّاً ابني خلف، ويَدْعوهم إلى الله تعالى، ويرجو إسلامهم، فجاء ابن أم مكتوم الأعمى، فقال: علِّمني يا رسول الله مما علَّمك الله، وجعل يناديه، ويكرِّر النداء، ولا يدري أنه مشتغل بكلام غيره، حتى ظهرت الكراهية في وجهه صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل على القوم يكلِّمهم، فنزلت هذه الآيات، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه بعد ذلك، ويقول: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي. وذهب قوم، منهم مقاتل، إلى أنه إنما جاء ليؤمن، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم اشتغالاً بالرؤساء، فنزلت فيه هذه الآيات.

ومعنى «عبس» قطَب وكَلَح «وتَوَلَّى» أعرض بوجهه { أن جاءه } أي: لأن جاءه. وقرأ أُبَيُّ بن كعب، والحسن، وأبو المتوكل، وأبو عمران «آن جاءه» بهمزة واحدة مفتوحة ممدودة. وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع، «أَأَن» بهمزتين مقصورتين مفتوحتين. و { الأعمى } هو ابن أم مكتوم، واسمه عمرو بن قيس. وقيل: اسمه عبد الله بن عمرو { وما يدريك لعلَّه يَزَّكَّى } أي: يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح، وما يتعلَّمه منك. وقال مقاتل: لعله يؤمن { أو يَذَّكَّرُ } أي: يتعظ بما يتعلمه من مواعظ القرآن { فتنفعَه الذكرى } قرأ حفص عن عاصم «فتنفعه» بفتح العين، والباقون برفعها. قال الزجاج: من نصب، فعلى جواب «لعل» ومن رفع، فعلى العطف على «يزَّكَّى».

قوله تعالى: { أما من استغنى } قال ابن عباس: استغنى عن الله وعن الإيمان بماله. قال مجاهد: «أما من استغنى»: عتبة، وشيبة، { فأنت له تَصَدَّى }. قرأ ابن كثير، ونافع، «تصَّدَّى» بتشديد الصاد. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، «تَصَدَّى» بفتح التاء، والصاد وتخفيفها، وقرأ أُبَيُّ بن كعب، وأبو الجوزاء، وعمرو بن دينار «تَتَصَدَّى» بتاءين مع تخفيف الصاد. قال الزجاج: الأصل: تتصدى، ولكن حذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين. ومن قرأ «تَصَدَّى» بإدغام التاء، فالمعنى أيضاً: تتصدى، إلا أن التاء أدغمت في الصاد لقرب مخرج التاء من الصاد. قال ابن عباس: «تَصَدَّى» تقبل عليه بوجهك. وقال ابن قتيبة: تتعرض. وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع، والجحدري، { تُصْدَى } بتاء واحدة مضمومة، وتخفيف الصاد.

قوله تعالى: { وما عليك } أي: أي شيءٍ عليك في أن لا يُسْلِمَ مَنْ تدعوه إلى الإسلام؟ يعني: أنه ليس عليه إلا البلاغ.

{ وأمَّا من جاءك يسعى } فيه قولان.

أحدهما: يمشي.

والثاني: يعمل في الخير، وهو ابن أم مكتوم { وهو يخشى } الله { فأنت عنه تلهَّى } وقرأ ابن مسعود، وطلحة بن مصرف، وأبو الجوزاء «تتلهى» بتاءين.

السابقالتالي
2