قوله تعالى: { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } يعني: المهاجرين الذين هجروا ديارهم وأموالهم وقومهم في نصرة الدين. { والذين آووا ونصروا } يعني: الأنصار آووا رسولَ الله، وأسكنوا المهاجرين ديارهم، ونصروهم على أعدائهم. { أولئك بعضهم أولياء بعض } فيه قولان. أحدهما: في النصرة. والثاني: في الميراث. قال المفسرون: كانوا يتوارثون بالهجرة، وكان المؤمن الذي لم يهاجر لا يرث قريبه المهاجر، وهو معنى قوله: { مالكم من وَلاَيتهم من شيء } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر، وعاصم، والكسائي: «وَلايتهم» بفتح الواو. وقرأ حمزة: بكسر الواو. قال الزجاج: المعنى: ليس بينكم وبينهم ميراث حتى يهاجروا. ومن كسر واو الولاية، فهي بمنزلة الإمارة؛ وإذا فتحت، فهي من النصرة. وقال يونس النحوي: الوَلاية بالفتح، لله عز وجل، والوِلاية بالكسر، من وُليِّت الأمر. وقال أبو عبيدة: الوَلاية بالفتح، للخالق؛ والوِلاية، للمخلوق. قال ابن الأنباري: الوَلاية بالفتح مصدر الوليِّ، والوِلاية: مصدر الوالي، يقال: وليّ بين الوَلاية، ووالٍ بيِّن الولاية؛ فهذا هو الاختيار؛ ثم يصلح في ذا ما يصلح في ذا. وقال ابن فارس: الوَلاية بالفتح: النصرة، وقد تكسر. والوِلاية، بالكسر: السلطان. فصل وذهب قوم إلى أن المراد بهذه الولاية موالاة النصر والمودَّة. قالوا: ونسخ هذا الحكم بقوله:{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } [التوبة: 71]. فأما القائلون بأنها ولاية الميراث، فقالوا: نسخت بقوله:{ وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } [الأنفال: 75]. قوله تعالى: { وإن استنصروكم في الدين } أي: إن استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا فانصروهم، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد، فلا تغدروا بأرباب العهد. وقال بعضهم: لم يكن على المهاجر أن ينصرَ من لم يهاجر إلا أن يستنصره.