الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قوله تعالى: { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } يعني: المهاجرين الذين هجروا ديارهم وأموالهم وقومهم في نصرة الدين.

{ والذين آووا ونصروا } يعني: الأنصار آووا رسولَ الله، وأسكنوا المهاجرين ديارهم، ونصروهم على أعدائهم. { أولئك بعضهم أولياء بعض } فيه قولان.

أحدهما: في النصرة. والثاني: في الميراث.

قال المفسرون: كانوا يتوارثون بالهجرة، وكان المؤمن الذي لم يهاجر لا يرث قريبه المهاجر، وهو معنى قوله: { مالكم من وَلاَيتهم من شيء } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر، وعاصم، والكسائي: «وَلايتهم» بفتح الواو. وقرأ حمزة: بكسر الواو. قال الزجاج: المعنى: ليس بينكم وبينهم ميراث حتى يهاجروا. ومن كسر واو الولاية، فهي بمنزلة الإمارة؛ وإذا فتحت، فهي من النصرة. وقال يونس النحوي: الوَلاية بالفتح، لله عز وجل، والوِلاية بالكسر، من وُليِّت الأمر. وقال أبو عبيدة: الوَلاية بالفتح، للخالق؛ والوِلاية، للمخلوق. قال ابن الأنباري: الوَلاية بالفتح مصدر الوليِّ، والوِلاية: مصدر الوالي، يقال: وليّ بين الوَلاية، ووالٍ بيِّن الولاية؛ فهذا هو الاختيار؛ ثم يصلح في ذا ما يصلح في ذا. وقال ابن فارس: الوَلاية بالفتح: النصرة، وقد تكسر. والوِلاية، بالكسر: السلطان.

فصل

وذهب قوم إلى أن المراد بهذه الولاية موالاة النصر والمودَّة. قالوا: ونسخ هذا الحكم بقوله:والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } [التوبة: 71]. فأما القائلون بأنها ولاية الميراث، فقالوا: نسخت بقوله:وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } [الأنفال: 75].

قوله تعالى: { وإن استنصروكم في الدين } أي: إن استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا فانصروهم، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد، فلا تغدروا بأرباب العهد. وقال بعضهم: لم يكن على المهاجر أن ينصرَ من لم يهاجر إلا أن يستنصره.