الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

قوله تعالى: { حرِّض المؤمنين على القتال } قال الزجاج: تأويله: حُثَّهم. وتأويل التحريض في اللغة: أن يحث الإنسان على الشيء حثاً يعلم معه أنه حارض إن تخلف عنه. والحارض: الذي قد قارب الهلاك.

قوله تعالى: { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } لفظُ هذا الكلام لفظ الخبر، ومعناه الأمر، والمراد: يقاتلوا مائتين، وكان هذا فرضاً في أول الأمر، ثم نسخ بقوله: { الآن خفف الله عنكم } ففُرض على الرجل أن يثبت لرجلين، فان زادوا جاز له الفرار. قال مجاهد: وهذا التشديد كان في يوم بدر. واتفق القراء على قوله { إن يكن منكم } فقرؤوا «يكن» بالياء، واختلفوا في قوله: { وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفاً } ، وفي قوله: { فان تكن منكم مائةٌ صابرةٌ } فقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: بالتاء فيهما. وقرأهما: عاصم، وحمزة، والكسائي، بالياء. وقرأ أبو عمرو: «يكن منكم مائة يغلبوا» بالياء، «فان تكن منكم مائة صابرة» بالتاء. قال الزجاج: من أنَّث، فللفظ المائة؛ ومن ذكَّر، فلأن المائة وقعت على عدد مذكر. وقال أبو علي: من قرأ بالياء، فلأنه أريد منه المذكر، بدليل قوله: { يغلبوا } ، وكذلك المائة الصابرة هم رجال، فقرؤوها بالياء، لموضع التذكير. فأما أبو عمرو، فانه لما رأى صفة المائة مؤنثة بقوله: { صابرة } أنث الفعل، ولما رأى { يغلبوا } مذكراً، ذكّر. ومعنى الكلام: إن يكن منكم عشرون صابرون يثبتون عند اللقاء، يغلبوا مائتين، لأن المؤمنين يحتسبون أفعالهم، وأهل الشرك يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب، فاذا صَدَقهم المؤمنون القتال لم يثبتوا؛ وذلك معنى قوله: { لا يفقهون }.

قوله تعالى: { وعلم } وروى المفضل «وعُلم» بضم العين { أن فيكم ضُعفاً } بضم الضاد. وقرأ عاصم، وحمزة: بفتح الضاد. وكذلك خلافهم في [الروم: 55]، قال الفراء: الضم لغة قريش، والفتح لغة تميم. قال الزجاج: والمعنى: في القراءتين واحد، يقال: هو الضَّعف والضُّعف، والمَكث والمُكث، والفَقر والفُقر، وفي اللغة كثير من باب فَعْل وفُعْل، والمعنى واحد. وقرأ أبو جعفر: «وعلمَ أن فيكم ضُعَفَاءَ» على فُعَلاءَ. فأما قوله: { باذن الله } فهو إعلام بأن الغلبة لا تقع إلا بارادته.