الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ }

قوله تعالى: { وإذ يمكر بك الذين كفروا } هذه الآية متعلقة بقوله:وذكروا إذ كنتم قليلاً } [الأعراف: 86] فالمعنى: أَذْكِرِ المؤمنين ما مَنَّ الله به عليهم، واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا.

الإشارة إلى كيفية مكرهم

قال أهل التفسير: لما بويع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة، أشفقت قريش أن يعلوَ أمره، وقالوا: والله لكأنكم به قد كرَّ عليكم بالرجال، فاجتمع جماعة من أشرافهم ليدخلوا دار الندوة فيتشاوروا في أمره، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ كبير، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا شيخ من أهل نجد، سمعت ما اجتمعتم له، فأردت أن أحضركم، ولن تعدموا من رأيي نصحاً، فقالوا: ادخل، فدخل معهم، فقالوا: انظروا في أمر هذا الرجل، فقال بعضهم: احبسوه في وَثاق، وتربَّصوا به ريب المنون. فقال إبليس: ما هذا برأي، يوشك أن يثب أصحابه فيأخذوه من أيديكم. فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم. فقال: ما هذا برأي، يوشك أن يجمع عليكم ثم يسير إليكم. فقال أبو جهل: نأخذ من كل قبيلة غلاماً، ثم نعطي كل غلام سيفاً فيضربوه به ضربة رجل واحد، فيفرَّق دمه في القبائل، فما أظن هذا الحي من قريش يقوى على ضرب قريش كلِّها، فيقبلون العَقل ونستريح. فقال إبليس: هذا والله الرأي، فتفرَّقوا عن ذلك. وأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت في مضجعه تلك الليلة، وأمر علياً فبات في مكانه، وبات المشركون يحرسونه، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذن له الله في الخروج إلى المدينة، وجاء المشركون لَّما أصبحوا، فرأوا علياً، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فاقتصُّوا أثره حتى بلغوا الجبل، فمروا بالغار، فرأوا نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخله لم يكن عليه نسج العنكبوت. فأما قوله: { ليثبتوك } فقال ابن قتيبة: معناه: ليحبسوك. يقال فلان مثبت وجعاً: إذا لم يقدر على الحركة. وللمفسرين فيه قولان.

أحدهما: ليثبتوك في الوَثاق، قاله ابن عباس، والحسن في آخرين.

والثاني: ليثبتوك في الحبس، قاله عطاء، والسدي في آخرين. وكان القومُ أرادوا أن يحبسوه في بيت ويشدوا عليه بابه ويلقوا إليه الطعام والشراب، وقد سبق بيان المكر في [آل عمران: 54].