الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ }

قوله تعالى: { إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم } قال الزجاج: { إذ } في موضع نصب، والمعنى: وليربط إذ يوحي. ويجوز أن يكون المعنى: واذكروا إذ يوحي. قال ابن عباس: وهذا الوحي: إلهام.

قوله تعالى: { إلى الملائكة } وهم الذين أمدَّ بهم المسلمين. { أني معكم } بالعون والنصرة. { فثبِّتوا الذين آمنوا } فيه أربعة أقوال.

أحدها: قاتلوا معهم، قاله الحسن.

والثاني: بشِّروهم بالنصر، فكان الملك يسير أمام الصف في صورة الرجل، ويقول: أبشروا فان الله ناصركم، قاله مقاتل.

والثالث: ثبِّتوهم بأشياء تُلْقُونها في قلوبهم تَقوى بها. ذكره الزجاج.

والرابع: صححوا عزائمهم ونياتهم على الجهاد، ذكره الثعلبي. فأما الرعب: فهو الخوف. قال السائب بن يسار: كنا إذا سألنا يزيد بن عامر السُّوائيَّ عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين كيف؟ كان يأخذ الحصى فيرمي به الطَّست فيطِنُّ، فيقول: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا.

قوله تعالى: { فاضربوا فوق الأعناق } في المخاطب بهذا قولان.

أحدهما: أنهم الملائكة، قال ابن الأنباري: لم تعلم الملائكة أين تقصد بالضرب من الناس، فعلَّمهم الله تعالى ذلك.

والثاني: أنهم المؤمنون، ذكره جماعة من المفسرين. وفي معنى الكلام قولان.

أحدهما: فاضربوا الأعناق، و«فوق» صلة، وهذا قول عطية، والضحاك، والأخفش، وابن قتيبة. وقال أبو عبيدة: «فوق» بمعنى «على»، تقول: ضربته فوق الرأس، وضربته على الرأس.

والثاني: اضربوا الرؤوس لانها فوق الأعناق، وبه قال عكرمة.

وفي المراد بالبنان ثلاثة أقوال.

أحدها: إنه الأطراف، قاله ابن عباس، والضحاك. وقال الفراء: علَّمَهم مواضع الضرب، فقال: اضربوا الرؤوس والأيدي والأرجل. وقال أبو عبيدة، وابن قتيبة: البنان أطراف الأصابع. قال ابن الأنباري: واكتفى بهذا من جملة اليد والرِّجل.

والثاني: أنه كل مَفْصِل، قاله عطية، والسدي.

والثالث: أنه الأصابع وغيرها من جميع الأعضاء، والمعنى: أنه أباحهم قتلهم بكل نوع، هذا قول الزجاج. قال: واشتقاق البنان من قولهم: أبَنَّ بالمكان: إذا أقام به؛ فالبنان به يُعتمل كلُّ ما يكون للاقامة والحياة.

قوله تعالى: { ذلك بأنهم شاقُّوا الله } { ذلك } إشارة إلى الضرب، { وشاقوا } بمعنى: جانبوا، فصاروا في شِقٍّ غيرِ شقِّ المؤمنين.

قوله تعالى: { ذلكم فذوقوه } خطاب للمشركين؛ والمعنى: ذوقوا هذا في عاجل الدنيا. وفي فتح «أنَّ» قولان.

أحدهما: باضمار فعل، تقديره: ذلكم فذوقوه واعلموا أن للكافرين.

والثاني: أن يكون المعنى: ذلك بأن للكافرين عذاب النار. فاذا ألقيت الباء، نصبت. وإن شئت، جعلت «أن» في موضع رفع، يريد: ذلكم فذوقوه، وذلكم أن للكافرين عذاب النار، هذا معنى قول الفراء.