الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } * { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } * { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } * { وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } * { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } * { فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ } * { فَحَشَرَ فَنَادَىٰ } * { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } * { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } * { ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } * { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } * { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } * { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } * { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }

قوله تعالى: { هل أتاك حديث موسى } أي: قد جاءك. وقد بيَّنَّا هذا في [طه: 9] وما بعده إلى قوله تعالى: { طوى اذهب } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو «طوى اذهب» غير مُجراةٍ. وقرأ الباقون «طوىً» منونة { فقل هل لك إلى أن تَزَكَّى } وقرأ ابن كثير، ونافع «تَزَّكَّى» بتشديد الزاي، أي: تَطَّهَّر من الشرك { وأَهْدِيَكَ إلى ربك } أي: أدعوك إلى توحيده، وعبادته { فتخشى } عذابه { فأراه الآية الكبرى } وفيها قولان.

أحدهما: أنها اليد والعصا، قاله جمهور المفسرين. والثاني: أنها اليد، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { فكذب } أي: بأنها من الله، { وعصى } نبيَّه { ثم أدبر } أي: أعرض عن الإيمان { يسعى } أي: يعمل بالفساد في الأرض { فحشَر } أي: فجمع قومه وجنوده { فنادى } لما اجتمعوا { فقال أنا ربكم الأعلى } أي: لا ربَّ فوقي. وقيل أراد أن الأصنام أرباب، وأنا ربُّها وربُّكم. وقيل: أراد: أنا ربُّ السادة والقادة.

قوله تعالى: { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } فيه أربعة أقوال.

أحدها: أن الأولى قولهما علمت لكم من إله غيري } [القصص: 38] والآخرة قوله «أنا ربكم الأعلى»، قاله ابن عباس، وعكرمة، والشعبي، ومقاتل، والفراء. ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. قال ابن عباس: وكان بينهما أربعون سنة. قال السدي: فبقي بعد الآخرة ثلاثين سنة. قال الفراء: فالمعنى: أخذه الله أخذاً نكالاً للآخرة والأولى.

والثاني: المعنى: جعله الله نكال الدنيا والآخرة، أغرقه في الدنيا، وعذَّبه في الآخرة، قاله الحسن، وقتادة. وقال الربيع بن أنس: عذَّبه الله في أول النهار بالغَرَق، وفي آخره بالنَّار.

والثالث: أن الأولى: تكذيبه وعصيانه. والآخرة قوله: «أنا ربكم الأعلى»، قاله أبو رزين.

والرابع: أنها أول أعماله وآخرها، رواه منصور عن مجاهد. قال الزجاج: النكال: منصوب مصدر مؤكد، لأن معنى أخذه الله: نكل الله به نكال الآخرة والأولى: فأغرقه في الدنيا ويعذِّبه في الآخرة. قوله تعالى { إن في ذلك } الذي فُعِل بفرعون { لعبرةً } أي: لعظةً { لمن يخشى } الله.

ثم خاطب منكري البعث، فقال تعالى { أأنتم أشد خلقاً أم السماءُ بناها } قال الزجاج: ذهب بعض النحويين الى أن قوله تعالى { بناها } من صفة السماء، فيكون المعنى: أم السماء التي بناها. وقال قوم: السماء ليس مما توصل، ولكن المعنى: أأنتم أشد خلقاً، أم السماءُ أشد خلقاً. ثم بيَّن كيف خلقها، فقال تعالى { بناها } قال المفسرون: أخَلْقُكم بعدَ الموت أشدُّ عندكم، أم السماءُ في تقديركم؟ وهما في قدرة الله واحد. ومعنى: «بناها» رفعها. وكل شيء ارتفع فوق شيءٍ فهو بناءٌ. ومعنى { رفع سَمْكها } رفع ارتفاعها وعلوَّها في الهواء «فسوَّاها» بلا شقوق، ولا فُطور، ولا تفاوت، يرتفع فيه بعضها على بعض { وأغطش ليلها } أي: أظلمه فجعله مظلماً.

السابقالتالي
2