الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } * { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } * { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } * { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } * { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } * { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } * { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } * { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } * { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } * { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } * { نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً } * { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

قوله تعالى: { إنا اعتدنا للكافرين سلاسلاً } قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة: «سلاسل» بغير تنوين ووقفوا بألف. ووقف أبو عمرو بألف. قال مكي بن أبي طالب النحوي: «سلاسل» و «قوارير» أصله أن لا ينصرف، ومن صرفه من القراء، فإنها لغة لبعض العرب. وقيل: إنما صرفه لأنه وقع في المصحف بالألف، فصرفه لاتباع خط المصحف. قال مقاتل: السلاسل في أعناقهم، والأغلال في أيديهم. وقد شرحنا معنى «السعير» في [النساء: 10].

قوله تعالى: { إن الأبرار } واحدهم بَرٌّ، وبَارٌّ، وهم الصادقون. وقيل: المطيعون. وقال الحسن: هم الذين لا يؤذون الذَّر { يشربون من كأس } أي: من إناءٍ فيه شراب { كان مزاجها } يعني: مزاج الكأس { كافوراً } وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه الكافور المعروف، قاله مجاهد، ومقاتل، فعلى هذا في المراد «بالكافور» ثلاثة أقوال.

أحدها: برده، قاله الحسن. والثاني: ريحه، قاله قتادة. والثالث: طعمه، قاله السدي.

والثاني: أنه اسم عين في الجنة، قاله عطاء، وابن السائب.

والثالث: أن المعنى: مزاجها كالكافور لطيب ريحه، أجازه الفراء، والزجاج.

قوله تعالى: { عيناً } قال الفراء: هي المفسرة للكافور، وقال الأخفش: هي منصوبة على معنى: أعني عيناً. وقال الزجاج: الأجود أن يكون المعنى: من عين، { يشرب بها } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: يشرب منها. والثاني: يشربها، والباء صلة. والثالث: يشرب بها عباد الله الخمر يمزجونها بها. وفي هذه العين قولان.

أحدهما: أنها الكافور الذي سبق ذكره.

والثاني: التسنيم، و { عباد الله } هاهنا: أولياؤه { يفجِّرونها تفجيراً } قال مجاهد: يقودونها إلى حيث شاؤوا من الجنة. قال الفراء: حيث ما أحب الرجل من أهل الجنة فجرَّها لنفسه.

قوله تعالى: { يوفون بالنذر } قال الفراء: فيه إضمار «كانوا» يوفون بالنذر. وفيه قولان.

أحدهما: يوفون بالنذر إذا نذروا في طاعة الله، قاله مجاهد، وعكرمة.

والثاني: يوفون بما فرض الله عليهم، قاله قتادة. ومعنى «النذر» في اللغة: الإيجاب. فالمعنى: يوفون بالواجب عليهم { ويخافون يوماً كان شرُّه مستطيراً } قال ابن عباس: فاشياً. وقال ابن قتيبة: فاشياً منتشراً. يقال: استطار الحريق: إِذا انتشر، واستطار الفجر: إذا انتشر الضوء. وأنشدوا للأعشى:
فَبَانَتْ وَقَدْ أَسْأَرَتْ في الفُؤَا   دِ صَدْعاً عَلَى نَأْيِها مُسْتَطِيراً
وقال مقاتل: كان شرُّه فاشياً في السموات، فانشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وكوِّرت الشمس والقمر في الأرض، ونُسِفَتْ الجبال، وغَارَت المياه، وتكَسَّر كل شيء على وجه الأرض من جبلٍ، وبناءٍ، وفَشَا شَرُّ يوم القيامة فيهما.

قوله تعالى: { ويطعمون الطعام على حُبِّه } اختلفوا فيمن نزلت على قولين.

أحدهما: نزلت في علي بن أبي طالب. آجر نفسه ليسقي نخلاً بشيء من شعيرٍ ليلة حتى أصبح. فلما قبض الشعير طحن ثلثه، وأصلحوا منه شيئاً يأكلونه، فلما استوى أتى مسكين، فأخرجوه إليه، ثم عمل الثلث الثاني، فلما تم أتى يتيم، فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي، فلما استوى جاء أسير من المشركين، فأطعموه وطوَوْا يومهم ذلك، فنزلت هذه الآيات، رواه عطاء عن ابن عباس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6