الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } * { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } * { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } * { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } * { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } * { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } * { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } * { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } * { ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ }

قوله تعالى: { كلا } قال الزجاج: «كلا» ردع وتنبيه. المعنى: ارتَدِعوا عما يؤدِّي إلى العذاب. وقال غيره: معنى «كلا»: لا يُؤْمِنُ الكافر بهذا.

قوله تعالى: { إذا بلغت } يعني: النفس. وهذه كناية عن غير مذكور. و«التراقي» العظام المكتنفة لنُقْرَة النَّحر عن يمين وشمال. وواحدة التراقي: تَرْقوة، ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشفاء على الموت، { وقيل مَنْ راق } فيه قولان.

أحدهما: أنه قول الملائكة بعضهم لبعض: من يرقى روحه، ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب؟ رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس، وبه قال أبو العالية، ومقاتل.

والثاني: أنه قول أهله: هل مِنْ رَاقٍ يَرْقيه بالرُّقى؟ وهو مروي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال عكرمة، والضحاك، وأبو قلابة، وقتادة، وابن زيد، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، والزجاج.

قوله تعالى: { وظن } أي: أيقن الذي بلغت روحه التراقيَ { أنه الفِرَاق } للدنيا { والتفَّت الساق بالساق } فيه خمسة أقوال.

أحدها: أمر الدنيا بأمر الآخرة، رواه الوالبي عن ابن عباس: وبه قال مقاتل.

والثاني: اجتمع فيه الحياة والموت، قاله الحسن، وعن مجاهد كالقولين.

والثالث: التفت ساقاه في الكفن، قاله سعيد بن المسيب.

والرابع: التفت ساقاه عند الموت، قاله الشعبي.

والخامس: الشدة بالشدة، قاله قتادة. قال الزجاج: آخر شدة الدنيا بأول شدة الآخرة.

قوله تعالى: { إلى ربك يومئذ المساق } أي: إلى الله المنتهى { فلا صدَّق ولا صلَّى } قال أبو عبيدة: «لا» هاهنا في موضع «لم». قال المفسرون: هو أبو جهل { ولكن كذَّب وتولَّى } عن الإيمان { ثم ذهب إِلى أهله يتمطَّى } أي: رجع إليهم يتبختر ويختال. قال الفراء «يتمطَّى» أي يتبختر، لأن الظهر هو المَطَا، فيلوي ظهره متبختراً. وقال ابن قتيبة: أصله يتمطط، فقلبت الطاء فيه ياء، كما قيل: يتظنّى، وأصله: يتظنن، ومنه المشية المُطَيْطَاء. وأصل الطاء في هذا كله دال. إنما هو مد يده في المشي إذا تبختر. يقال: مَطَطتُ ومَدَدتُ بمعنى.

قوله تعالى: { أولى لك فأولى } قال ابن قتيبة: هو تهديد ووعيد. وقال الزجاج: العرب تقول: أولى لفلان: إِذا دعت عليه بالمكروه، ومعناه: وليك المكروه يا أبا جهل.

قوله تعالى: { أيحسب الإنسان } يعني: أبا جهل { أن يُتْرَك سُدى } قال ابن قتيبة: أي: يهمل فلا يؤمر ولا ينهى ولا يعاقب، يقال: أسديت الشيء، أي: أهملته. ثم دل على البعث بقوله تعالى: { ألم يك نطفةً من مَنِيٍّ يُمْنَى } قرأ أبن كثير، ونافع، وحمزة، والكسائي وأبو بكر عن عاصم «تُمْنَى» بالتاء. وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم، ويعقوب «يُمْنَى» بالياء. وعن أبي عمرو كالقراءتين. وقد شرحنا هذا في [النجم: 24] { ثم كان علقةً } بعد النطفة { فَخَلَق } فيه الروح، وسَوَّى خلقه { فجعل منه } أي: خَلَقَ من مائه أولاداً ذكوراً وإناثاً { أليس ذلك } الذي فعل هذا { بقادرٍ؟ } وقرأ أبو بكر الصديق، وأبو رجاء، وعاصم الجحدري «يقدر» { على أن يحيي الموتى؟! } وهذا تقرير لهم، أي: إن من قَدَر على الابتداء قَدَر على الإعادة. قال ابن عباس: إذا قرأ أحدكم هذه الآية، فليقل: اللهم بلى.