الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } * { قُمْ فَأَنذِرْ } * { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } * { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } * { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } * { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } * { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ } * { فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ } * { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } * { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } * { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } * { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } * { وَبَنِينَ شُهُوداً } * { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } * { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } * { كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } * { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } * { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } * { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ نَظَرَ } * { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ } * { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } * { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } * { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } * { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } * { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } * { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } * { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } * { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } * { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } * { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ }

فأما سبب نزولها، فروى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث جابر بن عبد الله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جاورت بِحِرَاء شهراً، فلما قضيت جواري، نزلتُ فاستَبْطَنْتُ بطن الوادي، فنوديتُ، فنظرت أمامي، وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فلم أر أحداً، ثم نوديتُ فرفعتُ رأسي، فإذا هو في الهواء (يعني: جبريل عليه السلام) فأقبلتُ إِلى خديجة، فقلت دَثِّروني دَثِّروني، فأنزل الله عز وجل { يا أيها المدثر قم فأنذر } " قال المفسرون: فلما رأى جبريل وقع مغشياً عليه، فلما أفاق دخل إلى خديجة، ودعا بماءٍ فصبَّه عليه، وقال: دثِّروني، فدثَّروه بقطيفة، فأتاه جبريل فقال { يا أيها المدِّثر } وقرأ أُبَيُّ بن كعب، وأبو عمران، والأعمش، «المتدثِّر» بإظهار التاء. وقرأ أبو رجاء، وعكرمة، وابن يعمر، «المدثر» بحذف التاء، وتخفيف الدال. قال اللغويون: وأصل «المدَّثِّر» المتدثر، فأدغمت التاء، كما ذكرنا في المتَزَمِّل، وهذا في قول الجمهور من التدثير بالثياب. وقيل: المعنى: يا أيها المدثر بالنبوَّة، وأثقالها، قال عكرمة: دُثِّرْتَ هذا الأمر فقم به.

قوله تعالى: { قم فأنذر } كفارَ مكة العذابَ إن لم يُوحِّدوا { وربَّك فكبِّر } أي: عظِّمه عما يقول عبدة الأوثان { وثيابَك فطهِّر } فيه ثمانية أقوال.

أحدها: لا تلبسها على معصية، ولا على غدر. قال غيلان بن سلمة الثقفي:
وَإني بِحَمْدِ الله لاَ ثَوْبَ فَاجِرٍ   لَبِسْتُ وَلاَ مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ
روى هذا المعنى عكرمة عن ابن عباس.

والثاني: لا تكن ثيابُك من مكسب غير طاهر، روي عن ابن عباس أيضاً.

والثالث: طهر نفسك من الذنب، قاله مجاهد، وقتادة. ويشهد له قول عنترة:
فَشَكَكْتُ بالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيَابَهُ   لَيْسَ الكَرِيمُ عَلَى القَنَا بِمُحرَّمِ
أي: نفسه، وهذا مذهب ابن قتيبة. قال: المعنى: طهر نفسك من الذنوب، فكنى عن الجسم بالثياب، لأنها تشتمل عليه. قالت ليلى الأخيلية وذَكَرَتْ إبلاً:
رَمَوْها بأثواب خِفَافٍ فلا ترى   لَهَا شَبَهَاً إلا النَّعَام المُنَفَّرا
أي: ركبوها، فَرَمَوْها بأنفسهم. والعرب تقول للعفاف: إزارٌ، لأن العفيف كأنه استتر لما عَفَّ.

والرابع: وعَمَلَكَ فَأصْلِحْ، قاله الضحاك.

والخامس: خُلُقَكَ فَحَسِّنْ، قاله الحسن، والقرظي.

والسادس: وَثِيَابَك فَقَصِّرْ وشَمِّرْ، قاله طاووس.

والسابع: قَلْبَكَ فَطَهِّرْ، قاله سعيد بن جبير. ويشهد له قول امرىء القيس:
فَإنْ يَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مِني خَلِيقَةٌ   فَسُلِّي ثِيابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ
أي: قلبي من قلبك.

والثامن: اغسل ثيابك بالماء، ونقِّها، قاله ابن سيرين، وابن زيد.

قوله تعالى: { والرُّجْزَ فَاهْجُرْ } قرأ الحسن، وأبو جعفر، وشيبة، وعاصم، إِلا أبا بكر، ويعقوب، وابن محصين، وابن السميفع، «والرُّجزَ» بضم الراء. والباقون: بكسرها. ولم يختلفوا في غير هذا الموضع. قال الزجاج: ومعنى القراءتين واحد. وقال أبو علي: قراءة الحسن بالضم، وقال: هو اسم صنم.

السابقالتالي
2 3 4 5