الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } * { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } * { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } * { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } * { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً } * { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } * { وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } * { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } * { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } * { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } * { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } * { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } * { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً }

قوله تعالى: { قل أُوحيَ إليَّ أنه استمع نَفَرٌ من الجن } قد ذكرنا سبب نزول هذه الآية في [الأحقاف: 29] وبَيَّنَّا هنالك سبب استماعهم. ومعنى «النفر» وعَدَدَهم، فأما قوله تعالى: { قرآناً عجبا } فمعناه: بليغاً يعجب منه لبلاغته { يهدي إلى الرُّشد } أي: يدعو إلى الصواب من التوحيد والإيمان { ولن نشرك بربنا } أي: لن نعدل بربنا أحداً من خلقه. وقيل: عنوا إبليس، أي: لا نطيعه في الشرك بالله.

قوله تعالى: { وأنه تعالى جَدُّ رَبِّنا } اختلف القراء في اثنتي عشرة همزة في هذه السورة، وهي: «وأنه تعالى»،«وأنه كان يقول»، «وأنا ظننا»، «وأنه كان رجال»، «وأنهم ظنوا»، «وأنا لمسنا»، «وأنا كنا»، «وأنا لا ندري»، «وأنا منا»، «وأنا ظننا أن لن نعجز الله»، «وأنا لما سمعنا»، «وأنا منا»، ففتح الهمزة في هذه المواضع ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم، ووافقهم أبو جعفر في ثلاثة مواضع «وأنه تعالى»،«وأنه كان يقول»، «وأنه كان رجال»،وكسر الباقيات. وقرأ الباقون بكسرهن. وقال الزجاج: والذي يختاره النحويون في هذه السورة أن ما كان من الوحي قيل فيه «أن» بالفتح، وما كان من قول الجن قيل «إن» بالكسر. معطوف على قوله تعالى: { إنا سمعنا قرآناً عجباً } وعلى هذا يكون المعنى: وقالوا: إنه تعالى جَدُّ ربنا، وقالوا: إنه كان يقول سفيهنا. فأما من فتح، فذكر بعض النحويين: يعني الفراء، أنه معطوف على الهاء في قوله تعالى: { فآمنا به } وبأنه تعالى جَدُّ رَبِّنا. وكذلك ما بعد هذا. وهذا رديء في القياس، لا يعطف على الهاء المتمكّنة المخفوضة إلا بإظهار الخافض. ولكن وجهه أن يكون محمولاً على معنى أمنَّا به، فيكون المعنى: وصدَّقْنا أنه تعالى جَدُّ رَبِّنا. وللمفسرين في معنى «تعالى جَدُّ رَبِّنا» سبعة أقوال.

أحدها: قُدْرَةُ رَبِّنا، قاله ابن عباس.

والثاني: غِنى رَبِّنا، قاله الحسن.

والثالث: جَلاَلُ رَبِّنا، قاله مجاهد، وعكرمة.

والرابع: عَظَمَةُ رَبِّنا، قاله قتادة.

والخامس: أَمْرُ رَبِّنا، قاله السدي.

والسادس: ارتفاع ذِكره وعظمته، قاله مقاتل.

والسابع: مُلْكُ رَبِّنا وثناؤه وسلطانه، قاله أبو عبيدة. { وأنه كان يقول سفيهنا } فيه قولان.

أحدهما: أنه إبليس، قاله مجاهد، وقتادة.

والثاني: أنه كفارهم، قاله مقاتل. و«الشطط»: الجَوْر، والكذب، وهو: وصفه بالشريك، والولد. ثم قالت الجن { وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً } وقرأ يعقوب: «أن لن تَقَوَّلَ» بفتح القاف، وتشديد الواو. والمعنى: ظنناهم صادقين في قولهم: لله صاحبة وولد، وما ظننَّاهم يكذبون حتى سمعنا القرآن، يقول الله عز وجل «وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن» وذلك أن الرجل في الجاهلية كان إذا سافر فأمسى في قفر من الأرض قال: أعوذ بِسِّيدِ هذا الوادي من شَرِّ سُفَهَاءِ قومه، فيبيت في جِوارٍ منهم حتى يصبح.

السابقالتالي
2 3