الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } * { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } * { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً } * { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } * { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } * { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } * { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } * { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } * { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } * { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } * { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } * { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } * { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً } * { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } * { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } * { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } * { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً }

قوله تعالى: { فلم يزدهم دعائي إِلا فراراً } أي: تباعداً من الإيمان { وإني كلما دعوتهم } إلى الإيمان والطاعة { جعلوا أصابعهم في آذانهم } لئلا يسمعوا صوتي { واستغْشَوْا ثيابهم } أي: غطوا بها وجوههم لئلا يَرَوْني { وأصَرُّوا } على كفرهم { واستكبروا } عن الإيمان بك واتِّباعي { ثم إِني دعوتهم جهاراً } أي: معلناً لهم بالدعاء. قال ابن عباس: بأعلى صوتي { ثم إني أعلنت لهم } أي: كرَّرت الدعاء معلناً { وأسررت لهم إِسراراً } قال ابن عباس: يريد أكلِّم الرجل بعد الرجل في السِّرِّ، وأدعوه إلى توحيدك وعبادتك { فقلت استغفروا ربكم } قال المفسرون: منع الله عنهم القطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فقال لهم نوح { استغفروا ربكم } من الشرك، أي: استدعوا مغفرته بالتوحيد { يرسلِ السماء عليكم مدراراً } قد شرحناه في أول [الأنعام: 6] ومعنى الكلام أنه أخبرهم أن الإيمان يجمع لهم خير الدنيا والآخرة.

قوله تعالى: { ما لكم لا ترجون لله وقاراً؟ } فيه أربعة أقوال.

أحدها: لا تَرَوْن لله عظمة، قال الفراء، وابن قتيبة.

والثاني: لا تخافون عظمة الله، قاله الفراء، وابن قتيبة.

والثالث: لا تَرَوْن لله طاعة، قاله ابن زيد.

والرابع: لا ترجون عاقبة الإيمان والتوحيد، قاله الزجاج { وقد خلقكم أطواراً } أي: وقد جعل لكم في أنفسكم آيةً تدل على توحيده من خلقه إياكم من نطفة، ثم من علقة شيئاً بعد شيء إلى آخر الخلق. قال ابن الأنباري: الطَّوْر: الحال، وجمعه: أطوار. وقال ابن فارس: الطَّوْر: التارة، طوراً بعد طور، أي: تارةً بعد تارة. وقيل أراد بالأطوار: اختلاف المناظر والأخلاق، من طويل، وقصير، وغير ذلك، ثم قَرَّرَهم، فقال تعالى: { ألم تَرَوْا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً } وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: «طباقٍ» بتنوين القاف، وكسرها من غير ألف. وقد بيَّنَّا هذا في سورة [الملك: 3].

قوله تعالى: { وجعل القمر فيهنَّ نوراً } فيه قولان.

أحدهما: أن وجهَ القمر قِبَل السموات، وظهرَه قِبَل الأرض، يضيء، لأهل السموات، كما يضيء لأهل الأرض، وكذلك الشمس، هذا قول عبد الله ابن عمرو.

والثاني: أن القمر في السماء الدنيا، وإنما قال «فيهن» لأنهن كالشيء الواحد، ذكره الأخفش والزجاج، وغيرهما. وهذا كما تقول: أتيت بني تميم، وإنما أتيتَ بعضهم، وركبتُ السفن، { وجعل الشمس سراجاً } يستضيء بها العالم { والله أنبتكم من الأرض } يعني: أن مبتدأ خلقكم من الأرض، وهو آدم { نباتاً } قال الخليل: معناه: فنبتُّم نباتاً. وقال الزجاج: «نباتاً» محمول في المصدر على المعنى، لأن معنى أنبتكم: جعلكم تنبتون نباتاً. قال ابن قتيبة: هذا مما جاء فيه المصدر على غير المصدر، لأنه جاء على نبت. ومثله:وتبتَّل إليه تبتيلاً } [المزمل: 8] فجاء على «بَتَّل».

قال الشاعر:
وَخَيْرُ الأَمْرِ ما استقبلتَ منـ   ه وليس بِأَنْ تَتَبَّعَهُ اتِّباعاً

السابقالتالي
2