الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ }

قوله تعالى: { قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم } وذلك أن القوم كانوا يدّعون أن الله أمرهم بما هم عليه، فلذلك سمَّوه مِلَّةً. { وما يكون لنا أن نعود فيها } أي: في الملة، { إلا أن يشاء الله } أي: إلا أن يكون قد سبق في علم الله ومشيئته أن نعود فيها، { وسع ربُّنا كل شيء علماً } قال ابن عباس: يعلم ما يكون قبل أن يكون.

قوله تعالى: { على الله توكلنا } أي: فيما توعدتمونا به، وفي حراستنا عن الضلال. { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } قال أبو عبيدة: احكم بيننا، وأنشد:
أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي عُصْمٍ رَسُوْلاً   بأنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ
قال الفراء: وأهل عُمان يسمون القاضي: الفاتح والفتَّاح. قال الزجاج: وجائز أن يكون المعنى: أظهِر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وينكشف، فجائز أن يكونوا سألوا بهذا نزول العذاب بقومهم ليظهر أن الحق معهم.

قوله تعالى: { كأن لم يَغْنَواْ فيها } فيه أربعة أقوال.

أحدها: كأن لم يعيشوا في دارهم، قاله ابن عباس، والأخفش. قال حاتم طيىء:
غَنِيْنَا زَمَاناً بالتَّصَعْلُكِ وَالغِنَى   فَكُلاًّ سَقَانَاه بكأْسَيْهِما الدَّهْرُ
فَمَا زَادَنَا بَغْيَاً عَلَى ذِي قَرَابَةٍ   غِنَانَا، ولا أزْرَى بأحْسَابِنَا الفَقْرُ
قال الزجاج: معنى غنينا: عشنا. والتصعلك: الفقر، والعرب تقول للفقير: الصعلوك.

والثاني: كأن لم يتنعَّموا فيها، قاله قتادة.

والثالث: كأن لم يكونوا فيها، قاله ابن زيد، ومقاتل.

والرابع: كأن لم ينزلوا فيها، قاله الزجاج. قال الأصمعي المغاني: المنازل؛ يقال: غنينا بمكان كذا، أي: نزلنا به. وقال ابن قتيبة: كأن لم يقيموا فيها، ومعنى: غنينا بمكان كذا: أقمنا. قال ابن الأنباري: وإنما كرر قوله: { الذين كذبوا شعيباً } للمبالغة في ذمهم؛ كما تقول أخوك الذي أخذ أموالنا، أخوك الذي شتم أعراضنا.

قوله تعالى: { فتولى عنهم } فيه قولان.

أحدهما: أعرض. والثاني: انصرف. { وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي } قال قتادة: أسمع شعيب قومَه، وأسمع صالح قومَه، كما أسمع نبيكم قومَه يوم بدر؛ يعني: أنه خاطبهم بعد الهلاك. { فكيف آسى } أي: أحزن. وقال ابن اسحاق: أصاب شعيباً على قومه حزنٌ شديد، ثم عاتب نفسه، فقال: كيف آسى على قوم كافرين.