الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

قوله تعالى: { وهو الذي يرسل الرياح } قرأ أبو عمرو، ونافع، وابن عامر، وعاصم: { الرياح } على الجمع. وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي: «الريح» على التوحيد. وقد يأتي لفظ التوحيد، ويراد به الكثرة، كقولهم: كثر الدرهم في أيدي الناس، ومثله:إن الإنسان لفي خسر } [العصر: 2].

قوله تعالى: { نشراً } قرأ أبو عمرو، وابن كثير، ونافع، { نُشراً } بضم النون والشين، أرادوا جمع نشور، وهي الريح الطيبة الهبوب، تهب من كل ناحية وجانب. قال أبو عبيدة: النُشُر: المتفرقة من كل جانب. وقال أبو علي: يحتمل أن تكون النشور بمعنى المنشر، وبمعنى المنتشر، وبمعنى الناشر؛ يقال: أنشر الله الريح، مثل أحياها، فنشرت، أي: حييت. والدليل على أن إنشار الربح إحياؤها قولُ الفقعسي:
وهبَّتْ له رِيْحُ الجَنُوبِ وأُحْيِيَتْ   له رَيْدَةٌ يُحيي المِيَاهَ نَسِيْمُهَا
ويدل على ذلك أن الريح قد وصفت بالموت.

قال الشاعر:
إنِّي لأرْجُو أَنْ تَمُوْتَ الرِّيْحُ   فَأقْعُدَ اليَوْمَ وَأسْتَرِيْحُ
والرَّيدة والريدانة: الريح. وقرأ ابن عامر، وعبد الوارث، والحسن البصري: «نُشْراً» بالنون مضمومة وسكون الشين، وهي في معنى «نُشُراً» يقال: كُتُبْ وكُتْب، ورُسُل ورُسْل. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، والمفضل عن عاصم: «نَشْرا» بفتح النون وسكون الشين. قال الفراء: النَّشْر: الريح الطيبة الليَّنِّة التي تنشىء السحاب. وقال ابن الانباري: النَّشْر: المنتشرة الواسعة الهبوب. وقال أبو علي: يحتمل النَّشْر أن يكون خلاف الطيِّ، كأنها كانت بانقطاعها كالمطويَّة. ويحتمل أن يكون معناها ما قاله أبو عبيدة في النشر: أنها المتفرقة في الوجوه؛ ويحتمل أن يكون معناها: النشر الذي هو الحياة، كقول الشاعر:
[حتَّى يقولَ النَّاسُ ممَّا رَأَوْا]   يا عَجَباً لِلْمِّيتِ النَّاشِرِ
قال: وهذا هو الوجه. وقرأ أبو رجاء العطاردي، وإبراهيم النخعي، ومسروق، ومورِّق العجلي: «نَشَراً» بفتح النون والشين. قال ابن القاسم: وفي النَّشَر وجهان.

أحدهما: أن يكون جمعاً للنشور، كما قالوا: عَمود وَعَمد، وإهاب وأهَب.

والثاني: أن يكون جمعاً، واحده ناشر، يجري مجرى قوله: غائب وغَيَبٌ، وحافد وحَفَدٌ، وكل القرَّاء نوَّن الكلمة. وكذلك اختلافهم في [الفرقان: 48] و[النمل: 63]. هذه قراءات من قرأ بالنون. وقد قرأ آخرون بالباء، فقرأ عاصم إلا المفضل: «بُشْرى» بالباء المضمومة وسكون الشين مثل فُعْلى: قال ابن الانباري: وهي جمع بشيرة، وهي التي تبشِّر بالمطر، والأصل ضم الشين، إلا أنهم استثقلوا الضمتين. وقرأ ابن خثيم، وابن جذلم: مثله إلا أنهما نوَّنا الراء. وقرأ ابو الجوزاء، وأبو عمران، وابن أبي عبلة: بضم الباء والشين، وهذا على أنها جمع بشيرة. والرحمة هاهنا: المطر؛ سماه رحمة لأنه كان بالرحمة. و«أقلّتِ» بمعنى: حملت. قال الزجاج: السحاب: جمع سحابة. قال ابن فارس: سمي السحابَ لانسحابه في الهواء.

قوله تعالى: { ثِقالاً } أي: الماء وقوله تعالى: { سقناه } ردَّ الكناية إلى لفظ السحاب، ولفظه لفظُ واحدٍ.

السابقالتالي
2