الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ }

قوله تعالى: { وكم من قرية أهلكناها } «كم» تدل على الكثرة، و«رب» موضوعة للقلة. قال الزجاج: المعنى: وكم من أهل قرية، فحذف الأهل، لأن في الكلام دليلاً عليه.

وقوله تعالى: { فجاءها بأسنا } محمول على لفظ القرية؛ والمعنى: فجاءهم بأسنا غفلة وهم غير متوقعين له؛ إما ليلاً وهم نائمون، أو نهاراً وهم قائلون. قال ابن قتيبة: بأسنا: عذابنا. وبياتا: ليلاً. وقائلون: من القائلة نصف النهار. فان قيل: إنما أتاها البأس قبل الإهلاك، فكيف يقدَّم الهلاك؟ فعنه ثلاثة أجوبة.

أحدها: أن الهلاك والبأس، يقعان معاً، كما تقول: أعطيتني فأحسنت؛ وليس الإحسان بعد الإِعطاء ولا قبله، وإنما وقعا معاً، قاله الفراء.

والثاني: أن الكون مضمر في الآية، تقديره: أهلكناها، وكان بأسنا قد جاءها، فأُضمر الكون، كما أُضمر في قوله:واتبعوا ما تتلوا الشياطين } [البقرة: 102] أي: ما كانت الشياطين تتلوه. وقوله تعالى:إن يسرق } [يوسف: 77] أي: إن يكن سرق.

والثالث: أن في الآية تقديماً وتأخيراً، تقديره: وكم من قرية جاءها بأسنا بياتاً، أو هم قائلون، فأهلكناها، كقوله تعالى:إني متوفيك ورافعك إليَّ } [آل عمران: 55] أي: رافعك ومتوفيك، ذكرهما ابن الانباري.

قوله تعالى: { أو هم قائلون } قال الفراء: فيه واو مضمرة؛ والمعنى: فجاءها بأسنا بياتاً، أو وهم قائلون، فاستثقلوا نسقاً على نسق.