الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ }

قوله تعالى: { وإخوانهم } في هذه الهاء والميم قولان.

أحدهما: أنها عائدة على المشركين؛ فتكون هذه الآية مقدَّمة على التي قبلها، والتقدير: وأعرض عن الجاهلين، وإخوان الجاهلين، وهم الشياطين. { يمدُّونهم في الغَيِّ } قرأ نافع: «يمدونهم» بضم الياء وكسر الميم. والباقون: بفتح الياء وضم الميم. قال أبو علي: عامة ما جاء في التنزيل فيما يُحمَد ويُستَحب: أمددت، على أفعلت كقوله:أتمدونن بمال } [النمل: 36]أنما نمدهم به من مال } [المؤمنون: 55]وأمددناهم بفاكهة } [الطور: 22] وما كان على خلافه يجيء على: مددت، كقوله:ويمدهم في طغيانهم } [البقرة: 15]؛ فهذا يدل على أن الوجه فتح الياء؛ إلا أن وجه قراءة نافع بمنزلةفبشِّرهم بعذاب أليم } [التوبة: 34] قال المفسرون: { يمدونهم في الغي } أي: يزيِّنونه لهم، ويريدون منهم لزومه، فيكون معنى الكلام: أن الذين اتَّقَوا إذا جرَّهم الشيطان إلى خطيئة، تابوا منها، وإخوان الجاهلين، وهم الشياطين، يمدُّونهم في الغي، هذا قول الأكثرين من العلماء. وقال بعضهم: الهاء والميم ترجع إلى الشياطين، وقد جرى ذكرهم لقوله: «من الشيطان» فالمعنى: وإخوان الشياطين يَمدُّونهم.

والثاني: أن الهاء والميم ترجع إلى المتقين؛ فالمعنى: وإخوان المتقين من المشركين، وقيل: من الشياطين يمدونهم في الغي، أي: يريدون من المسلمين أن يدخلوا معهم في الكفر، ذكر هذا القول جماعة منهم ابن الأنباري. فان قيل: كيف قال: { وإخوانهم } وليسوا على دينهم؟ فالجواب: أنا إن قلنا: إنهم المشركون، فجائز أن يكونوا إخوانهم في النسب، أو في كونهم من بني آدم، أو لكونهم يظهرون النصح كالإخوان؛ وإن قلنا: إنهم الشياطين، فجائز أن يكونوا لكونهم مصاحبين لهم، والقول الأول أصح.

قوله تعالى: { ثم لا يقصرون } وقرأ الزهري، وابن أبي عبلة: «لا يقصِّرون» بالتشديد. قال الزجاج: يقال: أقصر يُقْصِر، وقصّر يقصِّر. قال ابن عباس: لا الإنس يقصِّرون عما يعملون من السيئات، ولا الشياطين تُقصِر عنهم؛ فعلى هذا يكون قوله: «يقصرون» من فعل الفريقين، وهذا على القول المشهور؛ ويخرّج على القول الثاني أن يكون هذا وصفاً للاخوان فقط.