الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } * { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

قوله تعالى: { أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جِنَّة } سبب نزولها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، علا على الصفا ليلة، ودعا قريشاً فخذاً فخذاً: يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان، فحذَّرهم بأس الله وعقابه، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون، بات يصوِّت حتى الصباح، فنزلت هذه الآية، قاله الحسن، وقتادة. ومعنى الآية: أولم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جِنة، أي: جنون، فحثَّهم على التفكر في أمره ليعلموا أنه بريء من الجنون. { إن هو } أي: ما هو { إلا نذير } أي: مخوِّف { مبين } يبيِّن طريق الهدى. ثم حثهم على النظر المؤدي إلى العلم فقال: { أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض } ليستدلوا على أن لها صانعاً مدبراً؛ وقد سبق بيان الملكوت في سورة [الأنعام: 75].

قوله تعالى: { وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } قرأ ابن مسعود، وأبيٌّ والجحدري: «آجالهم». ومعنى الآية: أولم ينظروا في الملكوت وفيما خلق الله من الأشياء كلِّها، وفي أنْ عسى أن تكون آجالهم قد قربت فيهلِكوا على الكفر، ويصيروا إلى النار { فبأي حديث بعده يؤمنون } يعني القرآن وما فيه من البيان. ثم ذكر سبب إعراضهم عن الإيمان، فقال: { من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم } قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: «ونذرهم» بالنون والرفع. وقرأ أبو عمرو: بالياء والرفع. وقرأ حمزة، والكسائي: «ويذرْهُم» بالياء مع الجزم خفيفة. فمن قرأ بالرفع، استأنف، ومن جزم «ويذرْهم» عطفَ على موضع الفاء. قال سيبويه: وموضعها جزْم؛ فالمعنى: من يضلل الله يَذَرْه؛ وقد سبق في سورة [البقرة: 15] معنى الطغيان والعَمَه.