الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } * { ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { قال اخرج منها مذؤوماً } قرأ الأعمش: «مذوماً» بضم الذال من غير همز. قال الفراء: الذَّأْمُ: الذَّمُّ، يقال: ذأمْتُ الرجلَ، أذأَمُه ذأمْاً؛ وذممتُه، أذُمُّه ذمّاً، وذِمْتُه، أذيمُه ذَيْماً، ويقال: رجل مذؤوم، ومذموم، ومَذيم، بمعنى: قال حسان بن ثابت:
وأقاموا حتى أبيروا جميعاً   في مَقامٍ وكُلُّهم مَذؤوم
قال ابن قتيبة: المذؤوم: المذموم بأبلغ الذم. والمدحور: المقصى المبعَد. وقال الزجاج: معنى المذؤوم: كمعنى المذموم، والمدحور: المبعد من رحمة الله. واللام من «لأملأن» لام القسم؛ والكلام بمعنى الشرط والجزاء، كأنه قيل له: من تبعك، أُعذبْه، فدخلت اللام للمبالغة والتوكيد. فلام «لأملأن» هي لام القسم، ولام { لَمن تبعك } توطئة لها. فأما قوله: «منهم» فقال ابن الانباري: الهاء والميم عائدتان على ولد آدم، لانه حين قال:ولقد خلقناكم ثم صوَّرناكم } [الأعراف: 11] كان مخاطباً لولد آدم، فرجع إليهم، فقال: { لَمن تبعك منهم } فجعلهم غائبين، لأن مخاطبتهم في ذا الموضع توقع لَبْساً، والعرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى الخطاب. ومن قال: { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } خطاب لآدم، قال أعاد الهاء والميم على ولده، لأن ذكره يكفي من ذكرهم؛ والعرب تكتفي بذكر الوالد من ذكر الأولاد إذا انكشف المعنى وزال اللبس. قال الشاعر:
أرى الخَطَفى بَذَّ الفرزدقُ شِعْرَهُ   ولكنَّ خيراً من كُلَيبٍ مُجاشِعُ
أراد: أرى ابن الخطفى، فاكتفى بالخطفى من ابنه.

قوله تعالى: { لأملأن جهنم منكم } يعني: أولاد آدم المخالفين وقرناءهم من الشياطين.