الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } * { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { فلما نسوا ما ذكِّروا به } يعني: تركوا ما وُعظوا به { أنجينا الذين ينهَوْن عن السوء } وهم الناهون عن المنكر. والذين ظلموا هم المعتدون في السبت.

قوله تعالى: { بعذاب بئيس } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «بئيس» على وزن فعيل، فالهمزة بين الباء والياء. وقرأ نافع: «بِيسٍ» بكسر الباء من غير همز. وقرأ ابن عامر كذلك إلا أنه همز. وروى خارجة عن نافع: «بَيْسٍ» بفتح الباء من غير همز، على وزن «فَعْلٍ». وروى أبو بكر عن عاصم: «بَيْأسٍ» على وزن «فَيْعَلٍ». وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأيوب: «بَيْآسٍ» على وزن «فَيْعالٍ». وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، ومعاذ القارىء: «بَئِسٍ» بفتح الباء وكسر الهمزة من غير ياء على وزن «نَعِسٍ». وقرأ الضحاك، وعكرمة: «بَيِّسٍ» بتشديد الياء مثل: «قيِّم». وقرأ أبو العالية، وأبو مجلز: «بَئِسَ» بفتح الباء والسين وبهمزة مكسورة من غير ياء ولا ألف على وزن «فَعِلَ». وقرأ أبو المتوكل، وأبو رجاء: «بائسٍ» بألف ومَدّة بعد الباء وبهمزة مكسورة بوزن «فاعِلٍ». قال أبو عبيدة: البئيس: الشديد. وأنشد:
حَنَقاً عَليَّ وما تَرَى   لي فيِهمُ أثراً بَئيسَا
وقال الزجاج: يقال: بَئس يبأس بأساً، والعاتي: الشديد الدخول في الفساد، المتمرد الذي لا يقبل موعظة. وقال ابن جرير: «فلما عتوا» أي: تمردوا فيما نُهوا عنه، وقد ذكرنا في سورة [البقرة: 65] قصة مسخهم. وكان الحسن البصري يقول: والله ما لحوم هذه الحيتان بأعظم عند الله من دماء قوم مسلمين.

قوله تعالى: { وإذ تأذَّن ربك } فيه أربعة أقوال.

أحدها: أعلم، قاله الحسن، وابن قتيبة. وقال: هو من آذنتك بالأمر.

وقال ابن الانباري: «تأذن» بمعنى آذن؛ كما يقال: تعلَّم أن فلاناً قائم، أي: اعلم. وقال أبو سليمان الدمشقي: أي: أعلم أنبياء بني إسرائيل. والثاني: حتم، قاله عطاء. والثالث: وعد، قاله قطرب. والرابع: تألّى، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { ليبعثن عليهم } أي: على اليهود. وقال مجاهد: على اليهود والنصارى بمعاصيهم. { من يسومهم } أي: يولِّيهم { سوء العذاب }. وفي المبعوث عليهم قولان. أحدهما: أنه محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، قاله ابن عباس. والثاني: العرب، كانوا يجبونهم الخراج، قاله سعيد بن جبير, قال: ولم يجْبِ الخراجَ نَبيٌ قط إلا موسى، جباه ثلاث عشرة سنة، ثم أُمسك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال السدي: بعث الله عليهم العرب يأخذون منهم الجزية ويقتلونهم. وفي سوء العذاب أربعة أقوال.

أحدها: أخذ الجزية. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: المسكنة والجزية، رواه العوفي عن ابن عباس. والثالث: الخراج، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير. والرابع: أنه القتال حتى يُسلموا أو يُعطوا الجزية.