قوله تعالى: { واكتب لنا } أي: حقق لنا وأوجب { في هذه الدنيا حسنة } وهي: الأعمال الصالحة { وفي الآخرة } المغفرة والجنة { إنا هُدْنا إليك } أي: تبنا، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأبو العالية، وقتادة، والضحاك، والسدي. وقال ابن قتيبة: ومنه{ الذين هادوا } [البقرة: 62] كأنهم رجعوا من شيء إلى شيء. وقرأ أبو وجزة السعدي: «إنا هِدنا» بكسر الهاء. قال ابن الأنباري: المعنى: لا نتغيَّر؛ يقال هاد يهود ويهيد. قوله تعالى: { قال عذابي أُصيبُ به من أشاء } وقرأ الحسن البصري، والأعمش وأبو العالية: «من أساء» بسين غير معجمة مع النصب. قوله تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء } في هذا الكلام أربعة اقوال. أحدها: أن مخرجه عام، ومعناه خاص، وتأويله: ورحمتي وسعت المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: { فسأكتبها للذين يتقون } قاله ابن عباس. والثاني: أن هذه الرحمة على العموم في الدنيا، والخصوص في الآخرة، وتأويلها: ورحمتي وسعت كل شيء في الدنيا، البرَّ والفاجر، وفي الآخرة هي للمتقين خاصة، قاله الحسن، وقتادة. فعلى هذا، معنى الرحمة في الدنيا للكافر: أنه يُرزق ويُدفع عنه، كقوله في حق قارون:{ وأحسنْ كما أحسن إليك } [القصص: 77]. والثالث: أن الرحمة: التوبة، فهي على العموم، قاله ابن زيد. والرابع: أن الرحمة تَسَع كل الخلق، إلا أن أهل الكفر خارجون منها، فلو قدِّر دخولهم فيها لوسعتهم، قاله ابن الانباري. قال الزجاج: وسعت كل شيء في الدنيا. { فسأكتبها للذين يتقون } في الآخرة. قال المفسرون: معنى { فسأكتبها }؛ فسأوجبها. وفي الذين يتقون قولان. أحدهما: أنهم المتقون للشرك، قاله ابن عباس. والثاني: للمعاصي، قاله قتادة. وفي قوله: { ويؤتون الزكاة } قولان. أحدهما: أنها زكاة الأموال، قاله الجمهور. والثاني: أن المراد بها: طاعة الله ورسوله، قاله ابن عباس، والحسن، ذهبا إلى أنها العمل بما يزكِّي النفس ويطهِّرها. وقال ابن عباس، وقتادة: لما نزلت { ورحمتي وسعت كل شيء } قال إبليس: أنا من ذلك الشيء، فنزعها الله من إبليس، فقال: { فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآيتنا يؤمنون } فقالت اليهود: نحن نتَّقي، ونؤتي الزكاة، ونؤمن بآيات ربنا، فنزعها الله منهم، وجعلها لهذه الأمة، فقال: { الذين يتبعون الرسول النبيَّ الأميَّ } وقال نَوفٌ: قال الله تعالى لموسى: أجعل لكم الأرض طهوراً ومسجداً، وأجعل السكينة معكم في بيوتكم، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهور قلوبكم، يقرؤها الرجل منكم، والمرأة، والحر، والعبد، والصغير، والكبير، فأخبر موسى قومه بذلك، فقالوا: لا نريد أن نصليَ إلا في الكنائس والبِيَع، ولا أن تكون السكينة إلا في التابوت، ولا أن نقرأ التوراة إلا نظراً، فقال الله تعالى: { فسأكتبها للذين يتقون } إلى قوله: { المفلحون }. وفي هؤلاء المذكورين في قوله: { للذين يتقون ويؤتون الزكاة } إلى قوله: { المفلحون } قولان.