الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

قوله تعالى: { واكتب لنا } أي: حقق لنا وأوجب { في هذه الدنيا حسنة } وهي: الأعمال الصالحة { وفي الآخرة } المغفرة والجنة { إنا هُدْنا إليك } أي: تبنا، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأبو العالية، وقتادة، والضحاك، والسدي. وقال ابن قتيبة: ومنهالذين هادوا } [البقرة: 62] كأنهم رجعوا من شيء إلى شيء. وقرأ أبو وجزة السعدي: «إنا هِدنا» بكسر الهاء. قال ابن الأنباري: المعنى: لا نتغيَّر؛ يقال هاد يهود ويهيد.

قوله تعالى: { قال عذابي أُصيبُ به من أشاء } وقرأ الحسن البصري، والأعمش وأبو العالية: «من أساء» بسين غير معجمة مع النصب.

قوله تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء } في هذا الكلام أربعة اقوال.

أحدها: أن مخرجه عام، ومعناه خاص، وتأويله: ورحمتي وسعت المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: { فسأكتبها للذين يتقون } قاله ابن عباس.

والثاني: أن هذه الرحمة على العموم في الدنيا، والخصوص في الآخرة، وتأويلها: ورحمتي وسعت كل شيء في الدنيا، البرَّ والفاجر، وفي الآخرة هي للمتقين خاصة، قاله الحسن، وقتادة. فعلى هذا، معنى الرحمة في الدنيا للكافر: أنه يُرزق ويُدفع عنه، كقوله في حق قارون:وأحسنْ كما أحسن إليك } [القصص: 77].

والثالث: أن الرحمة: التوبة، فهي على العموم، قاله ابن زيد.

والرابع: أن الرحمة تَسَع كل الخلق، إلا أن أهل الكفر خارجون منها، فلو قدِّر دخولهم فيها لوسعتهم، قاله ابن الانباري. قال الزجاج: وسعت كل شيء في الدنيا. { فسأكتبها للذين يتقون } في الآخرة. قال المفسرون: معنى { فسأكتبها }؛ فسأوجبها. وفي الذين يتقون قولان.

أحدهما: أنهم المتقون للشرك، قاله ابن عباس. والثاني: للمعاصي، قاله قتادة. وفي قوله: { ويؤتون الزكاة } قولان. أحدهما: أنها زكاة الأموال، قاله الجمهور.

والثاني: أن المراد بها: طاعة الله ورسوله، قاله ابن عباس، والحسن، ذهبا إلى أنها العمل بما يزكِّي النفس ويطهِّرها. وقال ابن عباس، وقتادة: لما نزلت { ورحمتي وسعت كل شيء } قال إبليس: أنا من ذلك الشيء، فنزعها الله من إبليس، فقال: { فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآيتنا يؤمنون } فقالت اليهود: نحن نتَّقي، ونؤتي الزكاة، ونؤمن بآيات ربنا، فنزعها الله منهم، وجعلها لهذه الأمة، فقال: { الذين يتبعون الرسول النبيَّ الأميَّ } وقال نَوفٌ: قال الله تعالى لموسى: أجعل لكم الأرض طهوراً ومسجداً، وأجعل السكينة معكم في بيوتكم، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهور قلوبكم، يقرؤها الرجل منكم، والمرأة، والحر، والعبد، والصغير، والكبير، فأخبر موسى قومه بذلك، فقالوا: لا نريد أن نصليَ إلا في الكنائس والبِيَع، ولا أن تكون السكينة إلا في التابوت، ولا أن نقرأ التوراة إلا نظراً، فقال الله تعالى: { فسأكتبها للذين يتقون } إلى قوله: { المفلحون }. وفي هؤلاء المذكورين في قوله: { للذين يتقون ويؤتون الزكاة } إلى قوله: { المفلحون } قولان.

السابقالتالي
2