الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } * { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { وما تنقم منا } أي: وما تكره منا شيئاً، ولا تعطن علينا إلا لأنا آمنا. { ربنا أفرغ علينا صبراً } قال مجاهد: على القطع والصلب حتى لا نرجع كفاراً { وتوفَّنا مسلمين } أي: مخلصين: على دين موسى.

قوله تعالى: { وأنذر موسى وقومه } هذا إِغراء من الملأِ لفرعون. وفيما أرادوا بالفساد في الأرض قولان. أحدهما: قتل أبناء القبط، واستحياء نسائهم، كما فعلوا ببني اسرائيل، قاله مقاتل. والثاني: دعاؤهم الناس إلى مخالفة فرعون وترك عبادته.

قوله تعالى: { ويذرَك } جمهور القراء على نصب الراء؛ وقرأ الحسن برفعها. قال الزجاج: من نصب «ويذرَك» نصبه على جواب الاستفهام بالواو؛ والمعنى: أيكون منك أن تذر موسى وأن يذرك؟ ومن رفعه جعله مستأنفاً، فيكون المعنى: أتذر موسى وقومه، وهو يذرك وآلهتك؟ والأجود أن يكون معطوفاً على «أتذر» فيكون المعنى: أتذر موسى، وأيَذَرَك موسى؟ أي أتطلق له هذا؟.

قوله تعالى: { وآلهتك } قال ابن عباس: كان فرعون قد صنع لقومه أصناماً صغاراً، وأمرهم بعبادتها، وقال أنا ربكم ورب هذه الأصنام، فذلك قوله:أنا ربكم الأعلى } [النازعات: 24]. وقال غيره: كان قومه يعبدون تلك الأصنام تقرباً إليه. وقال الحسن: كان يعبد تيساً في السر. وقيل: كان يعبد البقر سراً. وقيل: كان يجعل في عنقه شيئا يعبده. وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأبو العالية، وابن محيصن: «والإِهتك» بكسر الهمزة وقصرها وفتح اللام وبألف بعدها. قال الزجاج: المعنى: ويذرك وربوبيتك. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الإِلاهة: العبادة؛ فالمعنى: ويذرك وعبادة الناس إياك، قال ابن قتيبة: من قرأ: { وإِلاهتك } أراد ويذرك والشمس التي تعبد، وقد كان في العرب قوم يعبدون الشمس ويسمونها آلهةً. قال الأعشى:
فَمَا أَذْكُرُ الرَّهْبَ حتَّى انْقَلَبْتُ   قُبيْلَ الإلهَةِ مِنْها قَرِيْبا
يعني: الشمس. والرهب: ناقته. يقول: اشتغلت بهذه المرأة عن ناقتي إلى هذا الوقت.

قوله تعالى: { سَنُقَتِّلُ أبناءَهم } قرأ أبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: { سنقتّل } ويقتّلون ابناءكم } [الأعراف: 141] بالتشديد، وخففهما نافع. وقرأ ابن كثير: { سَنَقْتُلُ } خفيفة، { ويقتِّلون } مشددة، وإنما عدل عن قتل موسى إلى قتل الأبناء لعلمه أنه لا يقدر عليه. { وإنا فوقهم قاهرون } أي: عالون بالملك والسلطان. فشكا بنو إسرائيل إعادة القتل على أبنائهم، فقال موسى: { استعينوا بالله واصبروا } على ما يُفعل بكم { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده }. وقرأ الحسن، وهبيرة عن حفص عن عاصم: «يورِّثها» بالتشديد. فأطمعهم موسى أن يعطيهم الله أرض فرعون وقومه بعد إهلاكهم.

قوله تعالى: { والعاقبة للمتقين } فيها قولان. أحدهما: الجنة. والثاني: النصر والظفر.